الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي جعفر المدائني، رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت ، وأحسنهم لما بعده استعدادا ، قال : وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قالوا : كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال : نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح له ، قالوا : فهل لذلك من إمارة يعرف بها ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الفضيل ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت قول الله : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام فكيف الشرح ؟ قال : إذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور، [ ص: 197 ] فانفسح لذلك صدره . فقال : يا رسول الله هل لذلك من آية يعرف بها ؟ قال : نعم ، قال : فما آية ذلك ؟ قال : التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، وحسن الاستعداد للموت قبل نزوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت ، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل لهذه الآية علم تعرف به ؟ قال : نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل أن ينزل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير وأبو الشيخ ، وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب من طرق ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قال : إذا أدخل الله النور القلب انشرح وانفسح ، قالوا : فهل لذلك من آية يعرف بها ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : قال رجل : يا رسول الله أي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قلت : وكيف يشرح صدره للإسلام ؟ قال : هو نور يقذف فيه ، إن النور إذا [ ص: 198 ] وقع في القلب انشرح له الصدر وانفسح ، قالوا : يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها ؟ قال : نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس القوم قوم لا يقومون لله بالقسط ، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، وابن النجار في تاريخه، عن عبد الله بن المسور - وكان من ولد جعفر بن أبي طالب - قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام قالوا : يا رسول الله ما هو هذا الشرح ؟ قال : نور يقذف به في القلب ينفسح له القلب ، قالوا : فهل لذلك من إمارة يعرف بها ؟ قال : نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام يقول : يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به ، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا يقول : شاكا كأنما يصعد في السماء يقول : كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتى [ ص: 199 ] يدخله الله في قلبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن أبي الصلت الثقفي ، أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا بنصب الراء ، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرجا " بالخفض ، فقال عمر : ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا ، وليكن مدلجيا ، فأتوه به فقال له عمر : يا فتى ما الحرجة فيكم ؟ قال : الحرجة فينا : الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء ، فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم ، أنه قرأ " ضيقا حرجا " بكسر الراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن قتادة : ضيقا حرجا أي ملتبسا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن جريج : ضيقا حرجا أي بلا إله إلا الله ، لا يستطيع أن يدخلها في صدره ، لا يجد لها في صدره مساغا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد : كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : [ ص: 200 ] [159و] ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا يقول : من أراد الله أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عليه ضيقا ، والإسلام واسع ، وذلك حين يقول : وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج : 78] يقول : ما في الإسلام من ضيق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عطاء الخراساني في قوله : يجعل صدره ضيقا حرجا قال : ليس للخير فيه منفذ كأنما يصعد في السماء يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : كذلك يجعل الله الرجس قال : الرجس ما لا خير فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية