الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لعن الذين كفروا من بني إسرائيل أي لعنهم الله تعالى، وبناء الفعل لما لم يسم فاعله للجري على سنن الكبرياء، والجار متعلق بمحذوف وقع حالا من الموصول، أو من فاعل ( كفروا )، وقوله سبحانه وتعالى: على لسان داود وعيسى ابن مريم متعلق بـ( لعن ) أي: لعنهم جل وعلا في الإنجيل والزبور، على لسان هذين النبيين - عليهما السلام - بأن أنزل سبحانه وتعالى فيهما: ( ملعون من يكفر من بني إسرائيل بالله تعالى أو أحد من رسله عليهم السلام ).

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الزجاج : إن المراد أن داود وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - أعلما بنبوة محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - وبشرا به، وأمرا باتباعه، ولعنا من كفر به من بني إسرائيل، والأول أولى، وهو المروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما – وقيل: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود - عليه الصلاة والسلام -: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء، ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم الله تعالى قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا قال عيسى - عليه الصلاة والسلام -: اللهم عذب من كفر بعدما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل، ما فيهم امرأة ولا صبي، وروي هذا القول عن الحسن ومجاهد وقتادة ، وروي مثله عن الباقر - رضي الله تعالى عنه - واختاره غير واحد، والمراد باللسان الجارحة، وإفراده أحد الاستعمالات الثلاث المشهورة في مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 212 ] وقيل: المراد به اللغة ذلك أي اللعن المذكور، وإيثار الإشارة على الضمير للإشارة إلى كمال ظهوره، وامتيازه عن نظائره، وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما في من البعد للإيذان بكمال فظاعته، وبعد درجته في الشناعة والهول بما عصوا أي بسبب عصيانهم، والجار متعلق بمحذوف وقع خبرا عن المبتدأ قبله، والجملة استئناف واقع موقع الجواب عما نشأ من الكلام، كأنه قيل: بأي سبب وقع ذلك؟ فقيل: ذلك اللعن الهائل الفظيع بسبب عصيانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وكانوا يعتدون يحتمل أن يكون معطوفا على ( عصوا ) فيكون داخلا في حيز السبب، أي وبسبب اعتدائهم المستمر، وينبئ عن إرادة الاستمرار الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل.

                                                                                                                                                                                                                                      وادعى الزمخشري إفادة الكلام حصر السبب فيما ذكر، أي بسبب ذلك لا غير، ولعله - كما قيل - استفيد من العدول عن الظاهر، وهو تعلق ( بما عصوا ) بـ( لعن ) دون ذكر اسم الإشارة فلما جيء به - استحقارا لذلك اللعن وجوابا عن سؤال الموجب - دل على أن مجموعه بهذا السبب لا بسبب آخر، وقيل: استفيد من السببية؛ لأن المتبادر منها ما في ضمن السبب التام وهو يفيد ذلك، ولا يرد على الحصر أن كفرهم سبب أيضا كما يشعر به أخذه في حيز الصلة؛ لأن ما ذكر في حيز السببية هنا مشتمل على كفرهم أيضا، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بأنه كان شأنهم وأمرهم الاعتداء وتجاوز الحد في العصيان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية