الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع عطف على لا يستكبرون ، و (إذا) في موضع نصب بـ (ترى) ، وجملة (تفيض) في موضع الحال، والرؤية بصرية أي ذلك بسبب أنهم لا يستكبرون، وأنهم إذا سمعوا القرآن رأيت أعينهم فائضة من الدمع، وجوز السمين وغيره الاستئناف وأيا ما كان فهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم إبائهم إياه، والظاهر عود ضمير (سمعوا) للذين قالوا إنا نصارى

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم أن الظاهر فيه العموم وقيل: يتعين هنا إرادة البعض وهو من جاء من الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل النصارى ليسوا كذلك، والفيض الصباب عن امتلاء ووضع هنا موضع الامتلاء بإقامة المسبب مقام السبب أي تمتلئ من الدمع أو قصد المبالغة فجعلت أعينهم بأنفسها تفيض من أجل الدمع قاله في الكشاف، وأراد على ما في الكشف أن الدمع على الأول هو الماء المخصوص وعلى الثاني الحدث، وهو على الأول مبدأ مادي وعلى الثاني سببي، وفي الانتصاف أن هذه العبارة أبلغ العبارات وهي ثلاث مراتب فالأولى فاض دمع عينه وهذا هو الأصل، والثانية محولة من هذه وهي فاضت عينه دمعا فإنه قد حول فيها الفعل إلى العين مجازا ومبالغة ثم نبه على الأصل والحقيقة بنصب ما كان فاعلا على التمييز، والثالثة ما في النظم الكريم وفيها التحويل المذكور إلا أنها أبلغ من الثانية باطراح التنبيه على الأصل وعدم نصب التمييز وإبرازه في صورة التعليل وجوز الزمخشري أن تكون من هذه هي الداخلة على التمييز وهو مردود وإن كان الكوفيون ذهبوا إلى جواز تعريف التمييز وأنه يشترط تنكيره كما هو مذهب الجمهور لأن التمييز المنقول عن الفاعل يمتنع دخول (من) عليه وإن كانت مقدرة معه فلا يجوز تفقأ زيد من شحم فليفهم، مما عرفوا من الحق من الأولى لابتداء الغاية متعلقة بمحذوف وقع حالا من الدمع أي حال كونه ناشئا من معرفة الحق وجوز أن تكون تعليلية متعلقة بـ (تفيض) أي أن يفيض دمعهم بسبب عرفانهم

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز على تقدير كونها للابتداء أن تتعلق بذلك أيضا لكن يجوز على تقدير اتحاد متعلق (من) هذه و (من) في من الدمع القول باتحاد معناهما فإنه يتعلق حرفا جر بمعنى بعامل واحد ، و (من) الثانية للتبعيض متعلقة بـ (عرفوا) على معنى أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف لو عرفوه كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة أو لبيان (ما) بناء على أنها موصولة، ونص أبو البقاء على أنها متعلقة بمحذوف وقع حالا من العائد المحذوف ولم يذكر الاحتمال الأول وقرئ (ترى أعينهم) على صيغة المبني للمفعول (يقولون) استئناف مبني على [ ص: 5 ] سؤال نشأ من حكاية حالهم عند سماع القرآن كأنه قيل : ماذا يقولون فأجيب يقولون : (ربنا آمنا) بما أنزل أو بمن أنزل عليه أو بهما

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : إنه حال من الضمير في (عرفوا) وقال السمين : يجوز الأمران وكونه حالا من الضمير المجرور في (أعينهم) لما أن المضاف جزؤه كما في قوله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا

                                                                                                                                                                                                                                      فاكتبنا مع الشاهدين 38 أي اجعلنا عندك مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته الذين يشهدون يوم القيامة على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أو مع الذين يشهدون بحقية نبيك صلى الله عليه وسلم وكتابك كما نقل عن الجبائي وروي بمعناه عن الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية