الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي الآية . [ ص: 233 ] أخرج عبد بن حميد ، عن طاوس قال : إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويستحلون أشياء ، فنزلت : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وأبو داود ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا ، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه ، وأحل حلاله وحرم حرامه ؛ فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو منه ، ثم تلا هذه الآية : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما إلى آخر الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما فقال : ما خلا هذا فهو حلال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري وأبو داود ، وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ ، عن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد : إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر فقال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبى ذلك البحر ابن [ ص: 234 ] عباس وقرأ : قل لا أجد في ما أوحي إلي الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : ليس من الدواب شيء حرام إلا ما حرم الله في كتابه : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عمر ، أنه سئل عن أكل القنفذ فقرأ : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية ، فقال شيخ عنده : سمعت أبا هريرة يقول : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : خبيثة من الخبائث ، فقال ابن عمر : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عائشة ، أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير ، قرأت : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد والبخاري والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت ، [ ص: 235 ] فقالت : يا رسول الله ، ماتت فلانة - تعني الشاة - قال : فلولا أخذتم مسكها ! قالت : يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت ، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ، وإنكم لا تطعمونه ، وإنما تدبغونه حتى تنتفعوا به ، فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته ، فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، أنه قرأ هذه الآية : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة إلى آخر الآية ، وقال : إنما حرم من الميتة ما يؤكل منها وهو اللحم ، فأما الجلد والقد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله أو دما مسفوحا قال : مهراقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا [ ص: 236 ] أودجوا الدابة ، وأخذوا الدم فأكلوه ، قالوا : هو دم مسفوح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : حرم الدم ما كان مسفوحا ، فأما لحم يخالطه الدم فلا بأس به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة قال : لولا هذه الآية : أو دما مسفوحا لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع منه اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : أو دما مسفوحا قال : المسفوح الذي يهراق ، ولا بأس بما كان في العروق منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في سننه ، عن عكرمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له : آكل الطحال ؟ قال : نعم ، قال : إن عامتها دم ! قال : إنما حرم الله الدم المسفوح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن أبي مجلز ، في الدم يكون في [ ص: 237 ] مذبح الشاة أو الدم يكون على أعلى القدر ، قال : لا بأس إنما نهي عن الدم المسفوح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عمر وعائشة قالا : لا بأس بأكل كل شيء إلا ما ذكر الله في هذه الآية : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الشعبي ، أنه سئل عن لحم الفيل والأسد ، فتلا : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ ، عن ابن الحنفية ، أنه سئل عن أكل الجريث فقال : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس أنه سئل عن ثمن الكلب والذئب والهر وأشباه ذلك فقال : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [المائدة : 101] كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أشياء فلا يحرمونه ، وإن الله أنزل كتابا فأحل فيه حلالا ، وحرم فيه حراما ، وأنزل في [ ص: 238 ] كتابه : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، عن ابن عمر قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، عن جابر بن عبد الله قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ، ورخص في لحوم الخيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، عن أبي ثعلبة قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال : أكلت الحمر ، ثم جاءه جاء فقال : أفنيت الحمر ، فأمر مناديا فنادى في الناس : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ، فإنها رجس ، فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 239 ] وأخرج مالك والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود والترمذي والنسائي ، وابن ماجه ، عن أبي ثعلبة الخشني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه ، عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع ، وعن كل ذي مخلب من الطير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، عن خالد بن الوليد قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها ، حرام عليكم حمير الأهلية وخيلها وبغالها، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه ، عن جابر قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الحمر الإنسية ولحوم البغال ، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وحرم المجثمة والخلسة والنهبة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 240 ] وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع ، والمجثمة ، والحمار الإنسي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي ، عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السبع ، وعن كل ذي مخلب من الطير ، وعن لحوم الحمر الأهلية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، عن مكحول قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وعن الحبالى أن يقربن ، وعن بيع المغانم حتى تقسم ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة من طريق القاسم ومكحول ، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وأن توطأ الحبالى حتى تضعن ، وعن أن تباع السهام حتى تقسم ، وأن تباع التمرة حتى يبدو صلاحها ، ولعن يومئذ الواصلة والموصولة، [ ص: 241 ] والواشمة والموشومة ، والخامشة وجهها ، والشاقة جيبها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود والترمذي ، وابن ماجه ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهرة وأكل ثمنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، عن عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك والشافعي ، وابن أبي شيبة والبخاري والترمذي والنسائي ، وابن ماجه عن ابن عمر قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال : لست آكله ، ولا أحرمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة ، فأتي بضب محنوذ ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فقال بعض النسوة أخبروا [ ص: 242 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل . فقالوا : هو ضب يا رسول الله، فرفع يده، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه ، قال خالد : فاجتررته فأكلته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه ، عن ثابت بن وديعة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا ، فشويت منها ضبا ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه ، فأخذ عودا فعد به أصابعه ثم قال : إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض ، وإني لا أدري أي الدواب هي . فلم يأكل ولم ينه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، عن خالد بن الحويرث أن عبد الله بن عمرو كان بالصفاح ، وإن رجلا جاء بأرنب قد صادها ، فقال له : ما تقول ؟ قال : قد جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس ، فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها ، وزعم أنها تحيض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود والترمذي والنسائي ، وابن ماجه ، عن أنس قال : أنفجنا أرنبا ونحن بمر [ ص: 243 ] الظهران ، فسعى القوم فلغبوا ، فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة، فذبحها فبعث بوركيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وضعفه ، وابن ماجه ، عن خزيمة بن جزء السلمي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع ، فقال : ويأكل الضبع أحد ؟ وسألته عن أكل الذئب ، قال : ويأكل الذئب أحد فيه خير ؟ وفي لفظ لابن ماجه : قلت : يا رسول الله جئتك لأسألك عن أجناس الأرض، ما تقول في الثعلب ؟ قال : ومن يأكل الثعلب ؟ قلت : ما تقول في الضب ؟ قال : لا آكله ولا أحرمه ، قلت : ولم يا رسول الله ؟ قال : فقدت أمة من الأمم ، ورأيت خلقا رابني ، قلت : يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : لا آكله ولا أحرمه ، قلت : ولم يا رسول الله ؟ قال : نبئت أنها تدمى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه ، عن ابن عمر قال : من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا ؟ والله ما هو من الطيبات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 244 ] وأخرج أبو داود والترمذي من طريق إبراهيم بن عمر بن سفينة ، عن أبيه ، عن جده قال : أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، والترمذي [160ظ] والنسائي ، عن أبي موسى قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال : قلت لجابر : الضبع ، أصيد هي ؟ قال : نعم ، قلت : آكلها ؟ قال : نعم ، قلت : أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية