الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإنما شرعت القرعة عند تساوي الحقوق دفعا للضغائن والأحقاد ، وللرضاء بما جرت به الأقدار ، وقضاه الملك الجبار ، فمن ذلك الإقراع بين الخلفاء عند تساويهم في مقاصد الخلافة ، ومن ذلك الإقراع بين الأئمة عند تساويهم في مقاصد الإمامة ، ومن ذلك تقارعهم على الأذان عند تساوي المؤذنين ، ومن ذلك الإقراع في الصف الأول عند تزاحم المتسابقين ، ومن ذلك الإقراع في تغسيل الأموات عند تساوي الأولياء في الصفات ، ومن ذلك الإقراع بين الحاضنات إذا كن في رتبة واحدة ، [ ص: 91 ] ومن ذلك الإقراع بين الأولياء إذا أذنت لهم المرأة وكلهم في درجة واحدة ، ومن ذلك الإقراع في السفر بين الزوجات ; لما في تخير الزوج من إيغار صدورهن وإيحاش قلوبهن .

وكذلك لو أراد البداءة بإحداهن في القسم ، ومن ذلك الإقراع في زفافهن ، ومن ذلك الإقراع بين العبيد في الإعتاق إذا زادوا على الثلث ، ومن ذلك الإقراع في استيفاء القصاص من قتل جماعة دفعة واحدة ، ولا يتخير الحاكم بين أولياء القتلى إذا طلبوا القصاص دفعا لإيغار صدورهم ، وإذا تساوت السهام في قسمة الدور والأراضي لم يتخير القاسم بل يقرع بين الشركاء لتساوي حقوقهم ولا يتخير في التقدم لما فيه من إيغار الصدور ، ولو حضر الحاكم خصوم لا مزية لبعضهم على بعض أقرع بينهم لئلا يوغر صدورهم ، وإن ترجح بعضهم على بعض كالمرأة والمقيم والمسافر قدم المرأة على الرجال لأنها عورة ، وقدم المسافر على المقيم لئلا يتضرر بفوت الرفاق ، ولا وجه للإقراع عند تعارض البينتين ولا عند تعارض الخبرين ، إذ لا يفيد ثقة بأحد الخبرين ولا بإحدى الشهادتين ، ومن ذلك الإقراع في التقاط اللقطاء ، ولو تساوى اثنان يصلحان للولاية أو الإمامة أو الأحكام احتمل أن يقرع بينهما ، واحتمل أن يتخير بينهما من يفوض إليه ذلك . فكل هذه الحقوق متساوية المصالح ولكن الشرع أقرع ليعين بعضها دفعا للضغائن والأحقاد المؤدية إلى التباغض والتحاسد والعناد ، فإن من يتولى الأمر في ذلك إذا قدم بغير قرعة أدى ذلك إلى مقته وبغضته ، وإلى أن يحسد المتأخر المتقدم ; فشرعت القرعة دفعا لهذا الفساد والعناد ، لا لأن إحدى المصلحتين رجحت على الأخرى ، ولا يمكن مثل ذلك في تعارض البينتين ، فإن القرعة لا ترجح الثقة بإحدى [ ص: 92 ] الشهادتين إذ لا تزيد بيانا ، والترجيح في كل باب إنما يقع بالزيادة في مقاصد ذلك الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية