الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان معنى الأنس بالله تعالى .

قد ذكرنا أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة إلا أن هذه آثار تختلف على المحب بحسب نظره وما يغلب عليه في وقته ، فإذا غلب عليه التطلع من وراء حجب الغيب إلى منتهى الجمال واستشعر قصوره عن الاطلاع على كنه الجلال انبعث القلب إلى الطلب وانزعج له وهاج إليه ، وتسمى هذه الحالة في الانزعاج شوقا ، وهو بالإضافة إلى أمر غائب وإذا غلب عليه الفرح بالقرب ومشاهدة الحضور بما هو حاصل من الكشف وكان نظره مقصورا على مطالعة الجمال الحاضر المكشوف غير ملتفت إلى ما لم يدركه بعد استبشر القلب بما يلاحظه فيسمى استبشاره أنسا وإن كان نظره إلى صفات العز والاستغناء وعدم المبالاة وخطر إمكان الزوال والبعد تألم القلب بهذا الاستشعار فيسمى تألمه خوفا .

وهذه الأحوال تابعة لهذه الملاحظات ، والملاحظات تابعة لأسباب تقتضيها لا يمكن حصرها فالأنس معناه استبشار القلب فرحه بمطالعة الجمال حتى إنه إذا غلب وتجرد عن ملاحظة ما غاب عنه وما يتطرق إليه من خطر الزوال عظم نعيمه ولذته ومن هنا نظر بعضهم حيث قيل له : أنت مشتاق ؟ فقال : لا ، إنما الشوق إلى غائب ، فإذا كان الغائب حاضرا فإلى من يشتاق ؟! وهذا كلام مستغرق بالفرح بما ناله غير ملتفت إلى ما بقي في الإمكان من مزايا الألطاف .

ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد والخلوة كما حكي أن إبراهيم بن أدهم نزل من الجبل فقيل له : من أين أقبلت ؟ فقال : من الأنس بالله وذلك ؛ لأن الأنس بالله يلازمه التوحش من غير الله ، بل كل ما يعوق عن الخلوة فيكون من أثقل الأشياء على القلب ، كما روي أن موسى عليه السلام لما كلمه ربه مكث دهرا ، لا يسمع كلام أحد من الناس إلا أخذه الغثيان لأن الحب يوجب عذوبة كلام المحبوب وعذوبة ذكره ، فيخرج من القلب عذوبة ما سواه .

ولذلك قال بعض الحكماء في دعائه : يا من آنسني بذكره وأوحشني من خلقه وقال الله عز وجل لداود عليه السلام : كن بي مستأنسا ومن سواي مستوحشا ، وقيل لرابعة: بم نلت هذه المنزلة ؟ قالت : بتركي ما لا يعنيني ، أي : وأنسي بمن لم يزل .

وقال عبد الواحد بن زيد : مررت براهب فقلت له: يا راهب لقد أعجبتك الوحدة؟ فقال: يا هذا لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك، الوحدة رأس العبادة فقلت: يا راهب ما أقل ما تجده في الوحدة؟ قال: الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم. قلت: يا راهب متى يذوق العبد حلاوة الأنس بالله تعالى؟ قال: إذا صفا الود وخلصت المعاملة قلت: ومتى يصفو الود؟ قال: إذا اجتمع الهم فصار هما واحدا في الطاعة، وقال بعض الحكماء: عجبا للخلائق كيف أرادوا بك بدلا عجبا للقلوب كيف استأنست بسواك عنك؟ .

فإن قلت: فما علامة الأنس؟ فاعلم أن علامته الخاصة ضيق الصدر من معاشرة الخلق والتبرم بهم واستهتاره بعذوبة الذكر فإن خالط فهو كمنفرد في جماعة ومجتمع في خلوة وغريب في حضر وحاضر في سفر وشاهد في غيبة وغائب في حضور مخالط بالبدن منفرد بالقلب مستغرق بعذوبة الذكر كما قال علي كرم الله وجهه في وصفهم: هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه .

فهذا معنى الأنس بالله وهذه علامته وهذه شواهده .

التالي السابق


(بيان معنى الأنس بالله عز وجل)

اعلم أنا (قد ذكرنا) فيما سبق (أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة) ومن ثمراتها (إلا أن هذه آثار مختلفة تختلف على المحب بحسب نظره وما يغلب عليه في وقته، فإذا غلب عليه التطلع من وراء حجب الغيب إلى منتهى الجمال واستشعر قصوره عن الاطلاع على كنه الجلال) لصعوبته (انبعث القلب إلى الطلب وانزعج له وهاج إليه، وتسمى هذه الحالة في الانزعاج شوقا، وهو بالإضافة إلى أمر غائب) نظره (وإذا غلب عليه الفرح بالقرب ومشاهدة الحضور بما هو حاصل من الكشف) والمعاينة (وكان نظره مقصورا على مطالعة الجمال الحاضر المكشوف غير ملتفت إلى ما لم يدركه بعد استبشر القلب بما يلاحظه فيسمى استبشاره أنسا) إلا أن الشوق أفضل من الأنس؛ لأن الآنس قصر نظره على ما انكشف له من الجمال ولم يمتد نظره إلى أشكال ما غاب عنه، والمشتاق كالعطشان الذي لا ترويه البحار لمعرفته بأن الذي انكشف له من الأمور الإلهية بالنسبة إلى ما غاب عنه كالذرة بالنسبة إلى سعة الوجود، وقد تقدم تحقيقه (وإن كان نظره إلى صفات العز والاستغناء وعدم المبالاة وخطر إمكان الزوال والبعد تألم القلب بهذا الاستبشار فيسمى تألمه خوفا) ، وقد تقدم تحقيقه في كتاب الخوف (وهذه الأحوال تابعة لهذه الملاحظات، والملاحظات تابعة لأسباب تقتضيها لا يمكن حصرها) لكثرتها (فالأنس معناه استبشار القلب وفرحه بمطالعة الجمال) والكمال والقرب مما انكشف له منها (حتى إنه إذا غلب وتجرد) وقصر نظره (عن ملاحظة ما غاب عنه) من مزيد الألطاف (وما يتطرق إليه من خطر الزوال عظم نعيمه و) قويت (لذاته) واستحقر في جنب لذته وتنعمه لقرب حبيبه جميع ما سواه حتى لو أنفقت له الجنان جميعها لم تذهله ولم تشغله عن التذاذه بجمال محبوبه؛ لأنا إذا رأينا صفة جميلة محكمة أحببنا الصانع لذلك، فإن رأينا ما هو أجمل منه وأحسن وأشرف وأحكم ازددنا فيه حبا. هذا في دار الاختبار ومحل الاستدلال؛ فكيف بالعارفين في دار القرار ومحل الكشف والعيان؟! ويبطل حكم الدليل والاستدلال ويرجع الحق تعالى مشهودا للعباد، كما قال تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ؛ فحينئذ لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين (ومن هنا نظر بعضهم) ، وهو الأنطاكي، كما صرح به صاحب العوارف (حيث قيل له: أنت مشتاق؟ فقال: لا، إنما الشوق إلى غائب، فإذا كان الغائب حاضرا فإلى من يشتاق؟!) نقله القشيري في الرسالة، وقد تقدم، وحكاه صاحب العوارف، فقال: وأنكر بعضهم مقام الشوق، وقال: إنما الشوق إلى الغائب، ومتى يغيب الحبيب من الحبيب حتى يشتاق؟ ولهذا سئل الأنطاكي عن الشوق، فقال: إنما يشتاق الغائب وما غبت عنه منذ وجدته، قال: وإنكار الشوق مطلقا لا أرى له وجها؛ لأن رتب العطايا والمنح من أنصبة القرب إذا كانت غير متناهية كيف ينكر الشوق من المحب فهو غير غائب وغير مشتاق بالنسبة إلى ما وجد، ولكن يكون مشتاقا إلى ما لم يجد من أنصبة القرب، وكيف يمنع حال الشوق والأمر هكذا؟! ووجه آخر أن الإنسان لا بد له من أمور يردها بحكم الحال لموضع بشريته وطبيعته وعدم وقوفه على حد العلم الذي يقتضيه حكم الحال، ووجود هذه الأمور مثيرة لنار الشوق، ولا نعني بالشوق إلا مطالبة تنبعث من الباطن إلى الأولى والأعلى من أنصبة القرب، وهذه المطالبة كائنة في المحبين؛ فالشوق إذا كائن لا وجه لإنكاره، وقد قال قوم: شوق المشاهدة واللقاء أشد من شوق البعد والغيبوبة، فيكون في حال الغيبوبة مشتاقا إلى اللقاء ويكون في حال اللقاء والمشاهدة مشتاقا إلى زوائد ومباد من الحبيب وإفضاله، وهذا هو الذي أراده واختاره، انتهى .

(وهذا كلام) غريب الحال (مستغرق بالفرح بما ناله غير ملتفت إلى ما بقي في الإمكان من مزايا الألطاف، ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد) عن الخلق (والخلوة) مع الله تعالى (كما حكي أن إبراهيم بن أدهم) رحمه الله تعالى؛ إذ (نزل من الجبل) ، وكان مختليا به (فقيل: من أين أقبلت؟ فقال: من [ ص: 639 ] الأنس بالله) يشير إلى مقام الانفراد. رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الصمد عن أبيه قال: رؤي إبراهيم بن أدهم خارجا من الجبل .. فذكره (وذلك؛ لأن الأنس بالله يلازمه التوحش من غير الله تعالى، بل كل ما يعود عن الخلوة فيكون من أثقل الأشياء على القلب، كما روي) في بعض الأخبار (أن موسى عليه السلام لما كلمه ربه) -عز وجل- (مكث دهرا) ، أي: زمانا طويلا (لا يسمع كلام أحد من الناس إلا أخذه الغثيان) ، وهو تلاعب النفس من باطن، وهو من مبادئ القيء (لأن الحب يوجب عذوبة كلام المحبوب وعذوبة ذكره، فيخرج من القلب عذوبة ما سواه؛ ولذلك قال بعض الحكماء) من المحبين (في) جملة (دعائه: يا من آنسني بذكره وأوحشني من خلقه) وما أوحشه من خلقه إلا وقد أراد منه أن يأنس به، (و) في الأخبار (قال الله -عز وجل- لداود عليه السلام:) يا داود (كن بي مستأنسا ومن سواي مستوحشا، وقيل لرابعة) العدوية رضي الله عنها: (بم نلت هذه المنزلة؟) يعني في المحبة (قالت: بتركي ما لا يعنيني) ، أي: لا يهمني (وأنسي بمن لم يزل) جل شأنه (وقال عبد الواحد بن زيد) البصري -رحمه الله تعالى-: (مررت في سياحتي) براهب، فقلت: يا راهب، لقد أعجبتك الوحدة، فقال: يا هذا، لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك، الوحدة رأس العبادة. قلت: يا راهب، ما أقل ما تجد في الوحدة! قال: الراحة من مداراة الناس، والسلامة من شرهم. قلت: يا راهب، متى يذوق العبد حلاوة الأنس بالله تعالى؟ قال: إذا صفا الود وخلصت المعاملة (أي عن شوب المشاركة) قلت: ومتى يصفو الود؟ قال: إذا اجتمع الهم فصار هما واحدا في الطاعة (قال الخطابي في كتاب العزلة: ولو لم يكن في العزلة إلا السلامة من آفة الرياء والتصنع للناس وما يدفع إليه الإنسان إذا كان فيهم من استعمال المداهنة معهم وخداع المواربة في رضاهم لكان في ذلك ما يرغب في العزلة ويحرك إليها. انتهى، وقد تقدم شيء من هذا في كتاب العزلة .

) وقال بعض الحكماء (من المحبين في مناجاته:) عجبا للخلائق كيف أرادوا بك بدلا! عجبا للقلوب كيف استأنست بسواك عنك! فإن قلت: فما علامات الأنس (وشواهده؟) فاعلم أن علامته الخاصة ضيق الصدر من معاشرة الخلق (إن لم يمكنه الهروب منهم) والتبرم بهم (أي التضجر من مخالطتهم) واستهتاره بعذوبة الذكر (حتى يمتزج به لحمه ودمه بحيث لو طرقته ساعة وهو لم يذكر يتغير حاله ويتأسف عليه) فإن خالط (وهو هكذا) فهو كمنفرد في جماعة (وحي في أموات) ومجتمع في خلوة وغريب في حضر وحاضر في سفر وشاهد في غيبة وغائب في حضور، مخالط بالبدن منفرد بالقلب مستغرق بعذوبة الذكر (وهو آخر المقامات الثمانية التي عليها مبنى طريقة السادة النقشبندية، ويعبرون عنها بقولهم: خلوة وراء تجمر يعني الخلوة في الجلوة الظاهر مع الخلق والباطن مع الحق اليد بالشغل والقلب بالحق، وأنشدوا:

ومن داخل كن صاحبا غير غافل ومن خارج خالط كبعض الأجانب

وإلى هذا أشارت رابعة رضي الله عنها حيث قالت:

إني جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

وحكى البيهقي في الشعب عن علي بن سهل: الأنس بالله أن يستوحش من الخلق إلا من أهل ولاية الله -عز وجل-؛ فإن الأنس بأهل ولاية الله هو الأنس بالله تعالى) كما قال علي كرم الله وجهه في وصفهم: هم قوم (وذلك فيما رواه أبو نعيم في الحلية من طرق عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس، ثم قال: يا كميل بن زياد، القلوب أوعية؛ فخيرها أوعاها .. فساق الحديث إلى أن قال: أولئك هم الأقلون عددا، الأعظمون عند الله، قد رابهم بدفع الله عن حجبه حتى يؤدوها إلى نظائرهم ويزرعوها في قلوب أشباههم) هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فباشر وأروح اليقين واستلانوا ما استوعر (منه) المتفرقون [ ص: 640 ] وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحهم متعلقة بالمحل الأعلى (وفي رواية: بالملأ الأعلى) أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه (هاء هاء شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم، إذا شئت فقم، وقد ذكر الحديث بطوله مع ذكر أسانيده وشرح ألفاظه واختلاف رواياته في أول كتاب العلم فراجعه إن شئت) فهذا معنى الأنس بالله، وهذه علاماته وهذه شواهده .



ولنذكر قاعدة تجمع ما أشار إليه المصنف في هذا الفصل، فنقول: اعلم أن معرفة العارفين بقرب الله تعالى منهم سبب لقربهم من الله واتصالهم به وعنه تتشعب جملة أحوالهم؛ لأن الأحوال نتيجة الصفة المشهودة مع القرب؛ فالقرب أصل لا يفارقه العارفون، فإن اقترن به شهودا لجمال أثمر المحبة والأنس، وإن اقترن شهودا لجلال أثمر المهابة، وإن اقترن به شهود الكبرياء أثمر الصغار والإمحاق، وإن اقترن به ترك المبالاة وشهود السلطان أثمر المخافة، وإن كان معه العلم أثمر الإيمان، وإن اقترن به شهود الغيوب أثمر الغنى عن الأكوان، وإن اقترن به شهود مزايا الألطاف خيف على عقله من فرحه بالجود والإفضال، وأما الأبرار وأحوالهم تنشأ عن العلم بوجود الرب مطلقا مع اقتران العلم باقتداره على المنع والعطاء والسعادة والإشقاء؛ فيتولد من ذلك ما يحثهم على خوفه ورجائه، وإذا كان القرب بهذه المنزلة العظيمة فلابد من ذكر لمعة منه يستعان بها على إدامة الأحوال .

نقل القشيري عن أبي سعيد الخراز أنه قال: إن حقيقة القرب فقد حس الأشياء من القلب وهدو الضمير إلى الله تعالى .

قال الكمال محمد بن إسحاق: وهذا الذي ذكره هو الوسيلة لنيل القرب لا نفس القرب؛ لأنه سبق أن الطهور شطر الإيمان والذي ذكره طهور للقلب عما سوى الله تعالى، وإذا تطهر عما سوى الله تعالى كان الله حاضرا مع العبد؛ لأنه ليس بين العبد وربه إلا حجاب نفسه وعوارضها، فإذا فني عن نفسه وعن عوارضها عرف قرب الله، وجملة ذلك أن كل ذرة من بدن العالم وبدن الإنسان قد تعلق العلم بها كشفا والإرادة تخصيصا والقدرة إيجادا وإبقاء، والصفات لا تفارق الموصوف، بل صفاته قائمة بذاته، فإذا أنطق العارف فلا ينطق بنفسه، وإن سمع فلا يسمع بنفسه، وهكذا ورد الحديث الصحيح كما تقدم، فهذا نظر العارف المقرب؛ ولذلك قال تعالى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال تعالى: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون جاءت الآيات على وزن أفعل المبالغة في القرب لعسر الفرق ودقته بين الدال والمدلول؛ فالعارفون يرون ربهم في الدنيا بعين الإيقان والبصائر ويرونه في الأخرى بالأبصار رأي العين، فهو قريب منهم في الدارين، وليس قربه في الأخرى مخالفا لقربه في الدنيا إلا بمزيد اللطف والعطف وإلا فقد ارتفعت هنا وهناك قرب المسافة ولم يكن بينه وبين مخلوق إضافة لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذه المعرفة مثمرة الأنس بشرط الصفاء لا محالة .




الخدمات العلمية