الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 237 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ففيها كانت غزوة الصواري ، وغزوة الأساودة في البحر فيما ذكره الواقدي . وقال أبو معشر : كانت غزوة الصواري سنة أربع وثلاثين . وملخص ذلك فيما ذكره الواقدي وسيف وغيرهما ، أن الشام كان قد جمع نيابته لمعاوية بن أبي سفيان لسنتين مضتا من خلافة عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، وقد أحرزه غاية الحفظ وحمى حوزته ، ومع هذا له في كل سنة غزوة في بلاد الروم في زمن الصيف - ولهذا يسمون هذه الغزوة الصائفة - فيقتلون خلقا ويأسرون آخرين ، ويفتحون حصونا ، ويغنمون أموالا ، ويرعبون الأعداء ، فلما أصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح من أصاب من الفرنج والبربر ببلاد إفريقية والأندلس ، حميت الروم واجتمعت على قسطنطين بن هرقل ، وساروا إلى المسلمين في جمع لم ير مثله منذ كان الإسلام خرجوا في خمسمائة مركب ، وقصدوا عبد الله بن سعد بن أبي سرح في أصحابه من المسلمين الذين ببلاد المغرب . فلما تراءى الجمعان بات الروم يقسقسون ويصلبون ، وبات المسلمون يقرءون ويصلون ، فلما أصبحوا صف عبد الله بن سعد أصحابه صفوفا في المراكب ، وأمرهم بذكر الله وتلاوة القرآن . قال بعض من حضر ذلك : فأقبلوا إلينا في أمر لم ير مثله من كثرة المراكب ، وتعداد صواريها ، وكانت الريح لهم وعلينا فأرسينا ثم سكنت الريح عنا ، فقلنا لهم : [ ص: 238 ] إن شئتم خرجنا نحن وأنتم إلى البر فمات الأعجل منا ومنكم . قال : فنخروا نخرة رجل واحد وقالوا : الماء الماء . قال : فدنونا منهم وربطنا سفننا بسفنهم . ثم اجتلدنا وإياهم بالسيوف يثب الرجال على الرجال بالسيوف والخناجر ، وضربت الأمواج في عيون تلك السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وألقت الأمواج جثث الرجال إلى الساحل حتى صارت مثل الجبل العظيم ، وغلب الدم على لون الماء ، وصبر المسلمون يومئذ صبرا لم يعهد مثله قط ، وقتل منهم بشر كثير ومن الروم أضعاف ذلك ، ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، فهرب قسطنطين وجيشه - وقد قلوا جدا - وبه جراحات شديدة كثيرة مكث حينا يداوى منها بعد ذلك ، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري أياما ، ثم رجع مؤيدا منصورا مظفرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : فحدثني معمر عن الزهري قال : كان في هذه الغزوة محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر ، فأظهرا عيب عثمان ، وما غير وما خالف أبا بكر وعمر ، ويقولان : دمه حلال ؛ لأنه استعمل عبد الله بن سعد - وكان قد ارتد وكفر بالقرآن العظيم ، وأباح رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دمه - وأخرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أقواما واستعملهم عثمان ونزع الصحابة واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر . فبلغ ذلك عبد الله بن سعد فقال : لا تركبا معنا . فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين ، ولقوا العدو فكانا أنكل المسلمين قتالا ، فقيل [ ص: 239 ] لهما في ذلك فقالا : كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه ؟ فأرسل إليهما عبد الله بن سعد فنهاهما أشد النهي ، وقال : والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما وحبستكما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : وفي هذه السنة فتحت أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة . وفي هذه السنة قتل كسرى ملك الفرس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية