الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثاني في الإخلاص وفضيلته وحقيقته ودرجاته .

فضيلة الإخلاص .

قال الله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال ألا لله الدين الخالص وقال تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله وقال تعالى : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا نزلت فيمن يعمل لله ويحب أن يحمد عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث لا يغل عليهن قلب رجل مسلم : أخلص العمل لله وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال ظن أبي أن له فضلا على من هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما نصر الله عز وجل هذه الأمة بضعفائها ودعوتهم وإخلاصهم .

التالي السابق


الباب الثاني: في الإخلاص

ويضاف إليه السر والغربة والتلبيس والهمة؛ لأنهن من فضائله (و) فيه بيان (فضيلته وحقيقته ودرجاته)

فضيلة الإخلاص

اعلم أن الإخلاص هو العروة الوثقى، والذروة العليا المأمور به على ألسنة الأنبياء عليهم السلام .

(قال الله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) حنفاء، وهو الوسيلة لصحة الإيمان والأعمال جميعا، والسر المستودع في قلوب الأولياء والمقربين الذين عزل الرب عن قلوبهم سلطنة الشيطان ونزغاته بقوله تعالى: ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) أضاف عبوديتهم إلى نفسه إضافة تخصيص وتكريم وجعلهم أتقياء أخفياء تحت ستره، ليس لهم أكفاء ولا نظراء يورون عن أحوالهم بأعمال معارة؛ سترا لحالهم، قد علقت قلوبهم بالملكوت، وارتفعت هممهم لمولاهم، ففنيت صفاتهم في صفاته لقيامه عليهم وإحاطته بهم، فهم موجودون، معدومون عند نفوسهم بحقائق إيمانهم وتوحيدهم وإخلاصهم، موجودون في نظر غيرهم؛ لأنهم يرونهم قائمين قاعدين معطين مانعين، فهم غرباء من الأمثال والأكفاء لهذا السر الموقور في بطونهم، متلبسين بثياب ظاهرة عارية عليهم، تستر بواطنهم، وأسرارهم تعبد الله، همتهم نافذة لخلوها عن الأغراض والأعواض ومشاهدة الأغيار، فإن قاموا فلله وبالله، وإن قعدوا فلله وبالله .

(وقال) تعالى: ( ألا لله الدين الخالص ) أي: الصافي الذي زال عنه شوبه الذي كان فيه .

(وقال تعالى) في وصف أولئك المخلصين: ( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله ) فالتوبة أول مقام من مقامات اليقين، والإخلاص خاتمتها .

(وقال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا نزلت فيمن يعمل لله ويحب أن يحمد عليه) .

أخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا في الإخلاص، وابن أبي حاتم والحاكم عن طاوس قال: " قال رجل: يا نبي الله إني أقف أبتغي وجه الله وأحب أن يرى موطني، فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الآية " .

ورواه الحاكم وصححه، والبيهقي موصولا عن طاوس، عن ابن عباس .

وأخرجه ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: " كان من المسلمين من يقاتل وهو يحب أن يرى مكانه فأنزلت هذه الآية " .

وأخرج هناد في الزهد عن مجاهد قال: " جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أتصدق بالصدقة وألتمس بها ما عند الله وأحب أن يقال لي خير، فنزلت " .

وأخرج ابن أبي حاتم، عن كثير بن زياد، عن الحسن قال: نزلت فيمن عمل عملا يريد الله والناس، فذلك يرد الله عليه .

(وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا يغل) أي: لا يحقد (عليهن قلب رجل مسلم : إخلاص العمل لله) وتمامه: والنصيحة لولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" هذا لفظ الترمذي .

ولفظ ابن ماجه : " والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم " .

قال العراقي : رواه الترمذي من حديث ابن مسعود، وابن ماجه من حديث زيد بن ثابت، والطبراني وصححه من حديث النعمان بن بشير اهـ .

قلت: ورواه أيضا الطيالسي من حديث زيد بن ثابت، وابن ماجه أيضا من حديث جبير بن مطعم بلفظ: " ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن الدعاء يحيط من ورائهم " .

وقال القشيري في الرسالة: [ ص: 43 ] أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي، أخبرنا أحمد بن عبيد البصري، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أبو طالب، حدثني هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة العقيلي، عن إبراهيم بن أبي عبلة، حدثني عقبة بن وساح، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين " .

(وعن) أبي زرارة (مصعب بن سعد) المدني، ثقة، روى له الجماعة، مات سنة ثلاث ومائة (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أحد العشرة (أنه ظن أن له فضلا على من هو دونه من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنما نصر الله عز وجل هذه الأمة بضعفائها ودعواتهم وإخلاصهم وصلاتهم) .

قال العراقي : رواه النسائي، وهو عند البخاري بلفظ: " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم " اهـ .

قلت: وبخط الكمال الدميري : كذا رواه البخاري مرسلا، فإن مصعب بن سعد تابعي .

ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلا عن مصعب، عن أبيه، عن أبي الدرداء، رفعه " ابغوني الضعفاء؛ فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم " ورواه أبو داود بإسناد جيد له .

قلت: وهو في الحلية لأبي نعيم من طريق عاصم بن علي، عن محمد بن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلا على من دونه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعواتهم وصلواتهم وإخلاصهم " .

قال: رواه يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن طلحة مثله .

ورواه عن طلحة ليث بن أبي سليم، وزبيد ومسعر والحسن بن عمارة، ومعاوية بن سلمة النضري . اهـ .

ورواه النسائي عن مصعب بن سعد، عن أبيه بلفظ: " إنما تنصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " .

وروى أبو نعيم في المعرفة من حديث أبي عبيدة بلفظ: " إنما تنصرون بضعفائكم " .

ورواه أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: " إنما ينصر الله الأمة بضعفائها بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم " قاله حين ظن سعد أن له فضلا على ما دونه .

وأما حديث أبي الدرداء فلفظه: " ابغوني ضعفاءكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " هكذا رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي والحاكم وابن حبان والطبراني والبيهقي، ولفظ البخاري : " ابغوني الضعفاء؛ فإنما تنصرون " إلخ. وكذا هو في رواية لأبي داود والحاكم .




الخدمات العلمية