الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق السبعون والمائة بين قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه )

اعلم أن أحوال الكافر مختلفة إذا أسلم فيلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك ولا يلزمه من حقوق الآدميين القصاص ولا الغصب والنهب إن كان حربيا ، وأما الذمي فيلزمه جميع المظالم وردها ؛ لأنه عقد الذمة وهو راض بمقتضى عقد الذمة .

وأما الحربي فلم يرض بشيء فلذلك أسقطا عنه الغصوب والنهوب والغارات ونحوها ، وأما حقوق الله تعالى فلا تلزمه وإن كان ذميا مما تقدم في كفره لا ظهار ولا نذر ولا يمين من الأيمان ولا قضاء الصلوات ولا الزكوات ولا شيء فرط فيه من حقوق الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام { الإسلام يجب ما قبله } وضابط الفرق أن حقوق العباد قسمان منها ما رضي به حالة كفره واطمأنت نفسه بدفعه لمستحقه فهذا لا يسقط بالإسلام ؛ لأن إلزامه إياه ليس منفرا له عن الإسلام لرضاه وما لم يرض بدفعه لمستحقه كالقتل والغصب ونحوه فإن هذه الأمور إنما دخل عليها معتمدا على أنه لا يوفيها أهلها فهذا كله يسقط ؛ لأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام فقدمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق ، وأما حقوق الله تعالى فتسقط مطلقا رضي بها أم لا والفرق بينها وبين حقوق الآدميين من وجهين أحدهما أن الإسلام حق الله تعالى والعبادات ونحوها حق لله تعالى ، فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسب [ ص: 185 ] أن يقدم أحدهما على الآخر ويسقط أحدهما الآخر لحصول الحق الثاني لجهة الحق الساقط .

وأما حق الآدميين فجهة الآدميين والإسلام ليس حقا لهم ، بل لجهة الله تعالى فناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق غيرهم

( وثانيهما ) أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة والعبد بخيل ضعيف فناسب ذلك التمسك بحقه فسقطت حقوق الله تعالى مطلقا وإن رضي بها كالنذور والأيمان أو لم يرض بها كالصلوات والصيام ولا يسقط من حقوق العباد إلا ما تقدم الرضى به فهذا هو الفرق بين القاعدتين .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق السبعون والمائة بين قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه )

من حقوق الله تعالى وحقوق العباد وضابط الفرق وسره أن حقوق الله لا تلزمه مطلقا كانت مما رضي به كالنذور والأيمان أو مما لم يرض به كالصلوات والصيام كان هو حربيا أو ذميا كما لم يرض الحربي حالة كفره بدفعه لمستحقه من العباد كالقتل والغصب ونحو ذلك مما هو من حقوق العباد التي دخل في الإسلام معتمدا على أنه لا يوفيها أهلها فهذا كله يسقط عن الكافر بإسلامه أما حقوق الله فلأمرين الأمر الأول قوله صلى الله عليه وسلم { الإسلام يجب ما قبله } الأمر الثاني الفرق بين حقوق [ ص: 218 ] الله وحقوق الآدميين من وجهين

( أحدهما ) أن الإسلام ونحو العبادات لما كانا حقين لجهة واحدة وهي جهة الله تعالى وكان الإسلام أصلا للعبادات ونحوها بحيث تتوقف صحتها عليه ناسب أن يقدم عليها بالترغيب فيه بإسقاطها نظرا لكونه حقا حاصلا لجهة الحق الساقط فتقدم مصلحته على مصلحة ما اتحد معه في الجهة لأصالته لا على ما خالفه فيها كحق الآدميين إذ المناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق غيرهم

( وثانيهما ) أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة وسقوط حقوقه مطلقا ، بخلاف العبد فإنه بخيل ضعيف يناسب التمسك بحقه مطلقا إلا أنه جرى فيه التفصيل الآتي لما ستعرفه .

وأما ما لم يرض الحربي حالة كفره بدفعه لمستحقه من العباد كالغصوب والنهوب والغارات ونحوها من حقوق العباد التي دخل إلخ فلأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام فقدمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق ، وأما حقوق الآدميين التي رضي حالة كفره بدفعها لمستحقها من العباد واطمأنت نفسه بذلك فهذا يلزم ولا يسقط عنه بالإسلام ؛ لأن إلزامه إياه ليس منفرا له عن الإسلام لرضاه به لكن هذا يختلف بالنسبة للحربي والذمي فالذمي كما يلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك كذلك يلزمه جميع المظالم وردها كالغصوب والنهوب والغارات ونحوها ؛ لأنه عقد الذمة وهو راض بمقتضى عقد الذمة والحربي إنما يلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك مما رضي به حالة كفره واطمأنت نفسه به ، وأما الغصوب والنهوب والغارات ونحوها مما لم يرض به حالة كفره فلا يلزمه ، بل يسقط عنه بإسلامه لما علمت أفاده الأصل ، وقال ابن الشاط إنه صحيح ، والله أعلم .




الخدمات العلمية