الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2163 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [100] قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون

                                                                                                                                                                                                                                      قل لا يستوي الخبيث والطيب حكم عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال، وجيدها. قصد به الترغيب في صالح العمل وحلال المال: ولو أعجبك كثرة الخبيث فإن العبرة بالجودة والرداءة، دون القلة والكثرة. فإن المحمود القليل خير من المذموم الكثير. والخطاب عام لكل معتبر - أي: ناظر بعين الاعتبار - ولذلك قال: فاتقوا الله يا أولي الألباب أي: فاتقوه في تحري الخبيث وإن كثر. وآثروا الطيب وإن قل: لعلكم تفلحون أي: بمنازل القرب عنده تعالى المعد للطيبين.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيهان:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: - قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما زجر عن المعصية ورغب في الطاعة بقوله: اعلموا أن الله شديد العقاب الآية. ثم بما بعدها أيضا - أتبعه بنوع آخر من الترغيب والترهيب بقوله: قل لا يستوي الآية.. وذلك لأن الخبيث والطيب قسمان: أحدهما الذي يكون جسمانيا وهو ظاهر لكل أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني الذي يكون روحانيا. وأخبث الخبائث الروحانية الجهل والمعصية. وأطيب الطيبات الروحانية معرفة الله تعالى وطاعته. وذلك لأن الجسم الذي يلتصق به شيء من النجاسات يصير مستقذرا عند أرباب الطباع السليمة. فكذلك الأرواح الموصوفة بالجهل بالله والإعراض عن طاعته تصير مستقذرة عند الأرواح الكاملة المقدسة. وأما الأرواح العارفة بالله تعالى، المواظبة على خدمته، فإنها تصير مشرقة بأنوار المعارف الإلهية، مبتهجة بالقرب من الأرواح المقدسة الطاهرة. وكما أن الخبيث والطيب [ ص: 2164 ] في عالم الجسمانيات لا يستويان، فكذلك في عالم الروحانيات لا يستويان. بل المباينة بينهما في عالم الروحانيات أشد؛ لأن مضرة خبث الخبيث الجسماني شيء قليل ومنفعة طيبة مختصرة. وأما خبث الخبيث الروحاني فمضرته عظيمة دائمة أبدية. وطيب الطيب الروحاني فمنفعته عظيمة دائمة أبدية. وهو القرب من جوار رب العالمين، والانخراط في زمرة الملائكة المقربين، والمرافقة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فكان هذا من أعظم وجوه الترغيب في الطاعة والتنفير عن المعصية.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: قال بعض المفسرين: من ثمرة الآية أنه ينبغي إجلال الصالح وتمييزه على الطالح. وأن الحاكم إذا تحاكم إليه الكافر والمؤمن، ميز المؤمن في المجلس. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية