الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث الموفى عشرين : في حجية الإجماع المنقول بطريق الآحاد

                        الإجماع المنقول بطريق الآحاد حجة ، وبه قال الماوردي وإمام الحرمين والآمدي ، ونقل عن الجمهور اشتراط عدد التواتر ، وحكى الرازي في المحصول عن الأكثر أنه ليس [ ص: 277 ] بحجة فقال : الإجماع المروي بطريق الآحاد حجة خلافا لأكثر الناس ; لأن ظن وجوب العمل به حاصل فوجب العمل به دفعا للضرر المظنون ، ولأن الإجماع نوع من الحجة ، فيجوز التمسك بمظنونه ، كما يجوز بمعلومه قياسا على السنة ، ولأنا بينا أن أصل الإجماع فائدة ظنية فكذا القول في تفاصيله . انتهى .

                        وأما عدد أهل الإجماع : فقيل لا يشترط بلوغهم عدد التواتر خلافا للقاضي ، ونقل ونقل ابن برهان عن معظم العلماء ، أنه يجوز انحطاط عددهم عقلا عن عدد التواتر ، وعن طوائف من المتكلمين ، أنه لا يجوز عقلا ، وعلى القول بالجواز ، فهل يكون إجماعهم حجة أم لا ؟ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه حجة ، وهو قول الأستاذ أبي إسحاق ، وقال إمام الحرمين الجويني : يجوز ، ولكن لا يكون إجماعهم حجة .

                        قال الصفي الهندي : المشترطون اختلفوا ، فقيل : إنه لا يتصور أن ينقص عدد المجمعين عند عدد التواتر ما دام التكليف بالشريعة باقيا ، ومنهم من زعم أن ذلك ، وإن كان يتصور لكن يقطع بأن ما ذهب إليه دون عدد التواتر ليس سبيل المؤمنين ; لأن إخبارهم عن إيمانهم لا يفيد القطع فلا تحرم مخالفته ، ومنهم من زعم أنه وإن أمكن أن يعلم إيمانهم بالقرائن لا يشترط ذلك فيه ، بل يكفي فيه الظهور ، لكن الإجماع إنما يكون حجة لكونه كاشفا عن دليل قاطع وهو يوجب كونه متواترا ، وإلا لم يكن قاطعا فيما يقوم مقام نقله متواترا ، وهو الحكم بمقتضاه يجب أن يكون صادرا عن عدد التواتر ، وإلا لم يقطع بوجوده .

                        قال الأستاذ : وإذا لم يبق في العصر إلا مجتهد واحد فقوله حجة كالإجماع ، ويجوز أن يقال للواحد أمة ، كما قال تعالى : إن إبراهيم كان أمة أمة ونقله الصفي الهندي عن الأكثرين .

                        قال الزركشي في البحر : وبه جزم ابن سريج في كتاب الودائع ، فقال : وحقيقة الإجماع ، هو القول بالحق ، ولو من واحد ، فهو إجماع ، وكذا إن حصل من اثنين أو ثلاثة .

                        والحجة على أن الواحد إجماع ما اتفق عليه الناس في أبي بكر رضي الله عنه لما منعت بنو حنيفة الزكاة فكانت مطالبة أبي بكر لها حقا عند الكل ، وما انفرد لمطالبتها غيره ، هذا كلامه ، وخلاف إمام الحرمين فيه أولى ، وهو الظاهر ; لأن الإجماع [ ص: 278 ] لا يكون إلا من اثنين فصاعدا ، ونقل ابن القطان عن أبي هريرة أنه حجة .

                        قال إلكيا المسألة مبنية على تصور اشتمال العصر على المجتهد الواحد ، والصحيح تصوره ، وإذا قلنا به ففي انعقاد الإجماع بمجرد قوله خلاف ، وبه قال الأستاذ أبو إسحاق ، قال : والذي حمله على ذلك أنه لم ير في اختصاص الإجماع بمحل معنى يدل عليه ، فسوى بين العدد والفرد ، وأما المحققون سواه فإنهم يعتبرون العدد ، ثم يقولون المعتبر عدد التواتر ، فإذا مستند الإجماع مستند إلى طرد العادة بتوبيخ من يخالف العصر الأول ، وهو يستدعي وفور عدد من الأولين ، وهذا لا يتحقق فيما إذا كان في العصر إلا مجتهد واحد ، فإنه لا يظهر فيه استيعاب مدارك الاجتهاد .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية