الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [115] قال الله إني منـزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين

                                                                                                                                                                                                                                      قال الله إني منـزلها عليكم إجابة لدعوتكم: فمن يكفر أي: بي وبرسولي: بعد أي: بعد تنزيلها، المفيد للعلم الضروري بي وبرسولي: منكم أيها المنعمون بها: فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين أي: من عالمي زمانهم. أو من العالمين جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      روى ابن جرير بسنده إلى قتادة قال: كان الحسن يقول: لما قيل لهم: فمن يكفر بعد منكم إلخ قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل.

                                                                                                                                                                                                                                      روى منصور بن زادان عن الحسن أيضا أنه قال في المائدة: أنها لم تنزل.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى ابن أبي حاتم وابن جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: هو مثل ضربه الله ولم ينزل شيء. أي: مثل ضربه الله لخلقه. نهيا لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحافظ ابن كثير: وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن. وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى. وليس هو في كتابهم. ولو كانت قد نزلت لكان ذلك [ ص: 2218 ] مما يتوفر الدواعي على نقله. وكان يكون موجودا في كتبهم متواترا، ولا أقل من الآحاد. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال: ولكن الجمهور أنها نزلت. وهو الذي اختاره ابن جرير. قال: لأن الله تعالى أخبر بنزولها في قوله تعالى: إني منـزلها عليكم ووعد الله ووعيده حق وصدق.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القول هو -والله أعلم- الصواب. كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الآثار ما أخرجه الترمذي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد. فخانوا وادخروا ورفعوا لغد. فمسخوا قردة وخنازير. قال الترمذي: وقد روي عن عمار، من طريق، موقوفا وهو أصح.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب عن ابن عباس، أن عيسى ابن مريم قالوا له: ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء. قال: فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها. عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة. فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ساق ابن كثير آثارا في نزولها لا تخلو عن غربة ونكارة في سياقها، كما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                                      روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: «قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك. قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم: قال: فدعاه، فأتاه جبريل [ ص: 2219 ] فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة. قال: بل باب التوبة والرحمة» .

                                                                                                                                                                                                                                      ورواه الحاكم في مستدركه وابن مردويه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية