الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله ) رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما كان في ذلك من ربح فهو بينهما نصفان ، فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه من المضارب بألف المضاربة جاز ذلك ; لكون العقد مفيدا بينهما ، فإن باعه المضارب مساومة باعه كيف شاء ، وإن باعه مرابحة باعه على خمسمائة ، وهو ما اشتراه به رب المال دون الألف الذي اشتراه به المضارب ; لأن الذي يجري بين رب المال والمضارب في الحقيقة لم يكن بيعا ، فإن البيع مبادلة ملك إنسان بملك غيره ، وهذا كان مبادلة ملك رب المال بملكه ، ولكن جعل بمنزلة العقد في حق ما بينهما ; لكونه مفيدا في حقهما .

فأما في حكم بيع المرابحة فالعقد هو الأول ، وهو شراء رب المال إياه بخمسمائة فيبيعه مرابحة على ذلك ، يوضحه أن المضارب متهم في حق رب المال بالمسامحة وترك الاستقصاء ، وبيع المرابحة بيع أمانة ينفي عنه كل تهمة وخيانة ، وانتفاء التهمة في أقل الثمنين ، فبيعه مرابحة على ذلك ، إلا أن يبين الأمر على وجهه ، فحينئذ يبيعه كيف شاء ; ولأن المضارب يبيعه بالمال فينبغي أن يطرح ربح رب المال عند انضمام أحد العقدين إلى آخر ، وربح رب المال خمسمائة فيطرح ذلك من الثمن ويبيعه مرابحة على ما بقي .

ولو كان رب المال اشترى العبد بألف فباعه من المضارب بخمسمائة درهم من المضاربة باعه المضارب مرابحة على خمسمائة ; لأنه أقل الثمنين ، والذي جرى بينهما عقد في حقهما ، فإن لم يكن في الحقيقة عقدا فيعتبر هذا الجانب إذا كان أقل الثمنين عند اعتباره ، وانتفاء التهمة ، إنما يكون في الأقل .

ولو كان رب المال ملك العبد بغير شيء فباعه من المضارب بألف المضاربة لم يبعه مرابحة حتى يبين أنه اشتراه من رب المال ; لما بينا أن الذي جرى بينهما ليس ببيع في الحقيقة ، وليس لرب المال على هذه العين شراء سوى هذه ليبيعه المضارب به مرابحة باعتبار ذلك ، فإن بين الأمر على وجهه فقد انتفت التهمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية