الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل الهوى في الآدمي

ومثل الهوى في الآدمي كالسحاب المطبق على الأرض كلها قد أحاط بالأفق ومن وراء السحاب شمس فإذا انكسفت الشمس صار النهار كالليل فإذا انجلت عن الكسوف في سحاب [ ص: 113 ] فذاك نهار مقيم ذو غبار وغيم فإذا انقشع منها مثل روزنة حتى بدا منها بمقدار ذلك فأشرق نورها في الأرض أضاءت الأرض كلها بقدر ما أشرق في تلك الروزنة فلا تزال تتقشع وتتسع تلك الروزنة حتى تتقشع كلها وتفضي في جميع نواحي الأفق فتصير السماء مصحية والشمس بارزة مشرقة بكمالها على جميع الأرض في التل والجبل فالأوادية والأمصار والقرى والبيوتات والكوى فبقدر ما ينقشع السحاب تشرق الأرض بنورها ثم بقدر ما يبقى فإشراقها منكمن وهي محتجبة بذلك الباقي من الغنم فكذلك الهوى في الآدمي مطبق على الفؤاد في الصدر والنور في القلب كالشمس المنكمنة في السحاب فلا ينتفع بحرها وإشراقها وإذا غره العدو حتى أشرك بالله فقد انكشفت شمسه وصارت معرفته في كفره والكفر الغطاء فصار صدره كالليل المظلم وهو عالم بأن الله خالقه ورازقه ومميته ومالكه والعلم المنكمن في تلك الظلمة لا مستنير لعيني فؤاده وهو يقول ربي الله ثم لا يستقيم قال الله تعالى ولئن سألتهم من خلق السماوات [ ص: 114 ] والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم

ومن يدبر الأمور ومن يرزقك ومن يملك السمع والأبصار ومن بيده ملكوت كل شيء فسيقولن الله ثم أشركوا به قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال

وإنما حملهم على الشرك الهوى لأن الهوى يطلب الضر والنفع والتجأ من أجل المضرة والمنفعة إلى الأوثان .وذلك قوله تعالى ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

وقال أم اتخذوا من دون الله شفعاء

وقال واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا

[ ص: 115 ] فإذا من الله على عبد فتح روزنة من هذا الهواء المطبق بالنور الذي لاقى هذا الطبق فخرقه وخلص إلى قلبه إشراقه فقد خرجت شمسه من الكسوف وأشرق الصدر بنور الله فاستقر القلب وأمن

فهذا عبد ممنون عليه بالإيمان حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه والذي لم يمن عليه بذلك فقلبه في غلاف وذلك الغلاف هو الهوى المطبق وذلك قوله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة أي على بصر فؤاده غشاوة وتلك الغشاوة هو الهوى فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون وذلك قوله عز وجل إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وهو الغطاء وذلك الهوى فإذا من الله عليه بهذا النور خرق ذلك الهوى فاستقر إشراقه في مكان الهوى ورحل الهوى عن موضعه فولج ذلك الإشراق في الصدر فأضاء واستنار فزكا

[ ص: 116 ] وقال الله تعالى قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها أي دس تلك الروزنة بظلمة الهوى وظلمة الشرك فالخائب خاب عن الحظ لأنه غاب يوم القسمة عن المقسم يوم المقادير قبل خلق السموات والأرض والعرش والكرسي واللوح فلم يحتظ من ذلك النور غاب وخاب وذلك قوله تعالى ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

وقال لمن شهد المقسم يوم المقادير وجعلنا له نورا يمشي به في الناس

وقال أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فهذا عبد قد من الله عليه حتى فتح من هذا الهوى المطبق روزنته حتى أشرق فيها نور المعرفة في الصدر فوجد ربه [ ص: 117 ] واستقام له وذلك قوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا

التالي السابق


الخدمات العلمية