الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 498 ] 11 - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره

                                592 617 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ) ، وكان رجلا أعمى ، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت .

                                التالي السابق


                                كذا روى القعنبي هذا الحديث عن مالك ، ووافقه ابن أبي أويس وابن مهدي وعبد الرزاق وجماعة .

                                وهو في ( الموطأ ) عن ابن شهاب ، عن سالم - مرسلا ، وكذا رواه الشافعي والأكثرون عن مالك .

                                ورواه سائر أصحاب الزهري ، عنه ، عن سالم ، عن أبيه - مسندا .

                                وقد خرجه مسلم من رواية الليث ويونس ، عن ابن شهاب كذلك ، ولم يخرجه من طريق مالك .

                                ورواه معمر وابن إسحاق ، عن الزهري ، عن ابن المسيب مرسلا - أيضا .

                                وقوله في آخر الحديث : ( وكان رجلا أعمى ) قد أدرجه القعنبي في روايته عن مالك في حديثه الذي خرجه عنه البخاري ، وكذا رواه أبو مسلم الكجي عن القعنبي .

                                وكذا رواه عبد العزيز بن [ أبي ] سلمة بن الماجشون ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، وأدرجه في الحديث .

                                [ ص: 499 ] وخرج البخاري حديثه في موضع آخر .

                                والحديث في ( الموطأ ) ، كله ، عن ابن شهاب ، عن سالم - مرسلا ، فالذي في آخره يكون من قول سالم حينئذ .

                                وقد بين جماعة من رواة ( الموطأ ) أنه من قول ابن شهاب ، منهم : يحيى بن يحيى الأندلسي .

                                وقد رواه الجماعة عن القعنبي ، عن مالك ، فأسندوا الحديث ، وجعلوا قوله : ( وكان رجلا أعمى ) إلى آخره من قول الزهري ، منهم : عثمان بن سعيد الدارمي والقاضي إسماعيل وأبو خليفة الفضل بن الحباب وإسحاق بن الحسن .

                                وروى هذا الحديث ابن وهب ، عن الليث ويونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه - فذكر الحديث ، وزاد : قال يونس في الحديث : وكان ابن أم مكتوم هو الأعمى الذي أنزل الله فيه عبس وتولى كان يؤذن مع بلال . قال سالم : وكان رجلا ضرير البصر ، ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر : أذن .

                                خرجه البيهقي وغيره .

                                وخرج مسلم في ( صحيحه ) من حديث عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان : بلال وابن أم مكتوم الأعمى .

                                وعن عبيد الله ، عن القاسم ، عن عائشة - مثله .

                                ومن طريق هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى .

                                كذا خرجه من رواية محمد بن جعفر ، عن هشام .

                                [ ص: 500 ] ورواه وكيع وأبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه - مرسلا .

                                ومقصود البخاري : الاستدلال بحديث ابن عمر على أن أذان الأعمى غير مكروه ، إذا كان له من يخبره بالوقت ، وسواء كان البصير المخبر له مؤذنا معه ، كما كان بلال وابن أم مكتوم ، أو كان موكلا بإخباره بالوقت من غير تأذين .

                                وهذا هو قول أكثر العلماء ، منهم : النخعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .

                                وإن لم يكن معه بصير يخبره بالوقت كره أذانه ، ولو كان عارفا بالوقت بنفسه .

                                قال القاضي من أصحابنا : لأن معرفته بنفسه يعمل بها في حق نفسه دون غيره .

                                وقال ابن أبي موسى من أصحابنا : لا يؤذن الأعمى إلا في قرية فيها مؤذنون ، فيؤذن بعدهم ، وإن كان في قرية وحده لم يؤذن حتى يتحقق دخول الوقت .

                                وقالت طائفة : يكره أذان الأعمى ، روي عن ابن مسعود وابن الزبير .

                                وعن ابن عباس : أنه كره إقامته .

                                وحكى الإمام أحمد عن الحسن : أنه كره أذان الأعمى .

                                وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

                                وحكاه القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد ، وتأولها على أنه لم يكن معه ما يهتدي به .

                                قال ابن عبد البر : وفي الحديث دليل على جواز شهادة الأعمى على ما استيقنه من الأصوات ، ألا ترى أنه كان إذا قيل له ، يعني ابن أم مكتوم : أصبحت - قبل ذلك ، وشهد عليه ، وعمل به . انتهى .

                                [ ص: 501 ] وقبول شهادة الأعمى على ما يتيقنه من الأصوات مذهب مالك وأحمد ، وروي عن شريح وكثير من السلف .

                                ومنع منها أبو حنيفة والشافعي .

                                ومن قال بقولهما ، [ فرق ] بين الأذان والشهادة : بأن الأذان خبر ديني ، يعم حكمه المخبر وغيره ، فهو كرواية الأعمى للحديث الذي يسمعه وهو أعمى ، بخلاف الشهادة ، فإنه حق لآدمي معين فيحتاط لها .



                                الخدمات العلمية