الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      من يصرف عنه يومئذ أي من يصرف العذاب عنه فنائب الفاعل ضمير العذاب، وضمير (عنه) يعود على (من) ، وجوز العكس أي من يصرف عن العذاب. و (من) على الوجهين مبتدأ خبره الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف، والظرف متعلق بالفعل أو بالعذاب أو بمحذوف وقع حالا من الضمير

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون نائب الفاعل. وهل يحتاج حينئذ إلى تقدير مضاف أي عذاب يومئذ أم لا؟ فيه خلاف، فقيل : لا بد منه لأن الظرف غير التام أي المقطوع عن الإضافة كقبل وبعد لا يقام مقام الفاعل إلا بتقدير [ ص: 112 ] مضاف و (يومئذ) له حكمه، وفي الدر المصون لا حاجة إليه لأن التنوين لكونه عوضا يجعل في قوة المذكور خلافا للأخفش. وذكر الأجهوري أن التنوين هنا عوض عن جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق والأصل: يوم إذ يكون الجزاء ونحو ذلك، والجملة مستأنفة مؤكدة لتهويل العذاب؛ وجوز أن تكون صفة (عذاب) . وقرأ حمزة، والكسائي، ويعقوب، وأبو بكر عن عاصم (من يصرف) على أن الضمير فيه لله تعالى. وقرأ أبي (من يصرف الله) بإظهار الفاعل، والمفعول به محذوف أي العذاب أو (يومئذ) بحذف المضاف أو يجعل اليوم عبارة عما يقع فيه، و (من) في هذه القراءة مبتدأ

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أبو البقاء أن تجعل في موضع نصب بفعل محذوف تقديره: من يكرم يصرف الله العذاب عنه فجعل (يصرف) تفسيرا للمحذوف، وأن يجعل منصوبا بـ (يصرف) ويجعل ضمير (عنه) للعذاب أي: أي إنسان يصرف الله تعالى عنه العذاب فقد رحمه أي الرحمة العظمى وهي النجاة كقولك : إن أطعمت زيدا من جوعه فقد أحسنت إليه؛ تريد فقد أتممت الإحسان إليه، وعلى هذا يكون الكلام من قبيل -من أدرك مرعى الضمان فقد أدرك- " ومن كانت هجرته إلى الله تعالى " الخبر، ومن قبيل صرف المطلق إلى الكامل، وقيل : المراد فقد أدخله الجنة فذكر الملزوم وأريد اللازم لأن إدخال الجنة من لوازم الرحمة إذ هي دار الثواب اللازم لترك العذاب

                                                                                                                                                                                                                                      ونقض بأصحاب الأعراف. وأجيب بأن قوله تعالى وذلك الفوز المبين

                                                                                                                                                                                                                                      61

                                                                                                                                                                                                                                      - حال مقيدة لما قبله، والفوز المبين إنما هو بدخوله الجنة لقوله تعالى فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وأنت تعلم أنه إذا قلنا : إن الأعراف جبل في الجنة عليه خواص المؤمنين كما هو أحد الأقوال لا يرد النقض، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك، وما ذكر من الجواب مبني على ما لا يخفى بعده، والداعي إلى التأويل اتحاد الشرط والجزاء الممتنع عندهم

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض الكاملين : إن ما في النظم الجليل نظير قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " لن يجزئ ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه " يعني بالشراء المذكور، وأن اختلاف العنوان يكفي في صحة الترتيب والتعقيب، ولك أن تقول : إن الرحمة سبب للصرف سابق عليه على ما تلوح إليه صيغة الماضي والمستقبل والترتيب باعتبار الأخبار، وتعقبه الشهاب بأنه تكلف لأن السبب والمسبب لا بد من تغايرهما معنى، والحديث المذكور منهم من أخذ بظاهره ومنهم من أوله بأن المراد لا يجزيه أصلا وهو دقيق لأنه تعليق بالمحال. وأما كون الجواب ماضيا لفظا ومعنى ففيه خلاف حتى منعه بعضهم في غير كان لعراقتها في المضي. اهـ فليفهم

                                                                                                                                                                                                                                      والإشارة إما إلى الصرف الذي في ضمن (يصرف) وإما إلى الرحمة، وذكر لتأويل المصدر بأن والفعل. ومنهم من اعتبر "الرحم" بضم فسكون أو بضمتين وهو -على ما في القاموس- بمعنى الرحمة. ومعنى البعد للإيذان بعلو درجة ما أشير إليه، والفوز: الظفر بالبغية، و (ال) لقصره على المسند إليه

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية