الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

                                                                                                                3005 حدثنا هداب بن خالد حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث إليه غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي قال ولك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق [ ص: 420 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 420 ] هذا الحديث فيه إثبات كرامات الأولياء .

                                                                                                                وفيه جواز الكذب في الحرب ونحوها ، وفي إنقاذ النفس من الهلاك ، سواء نفسه أو نفس غيره ممن له حرمة . والأكمه الذي خلق أعمى . والمئشار مهموز في رواية الأكثرين ، ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء ، وروي المنشار بالنون ، وهما لغتان صحيحتان سبق بيانهما قريبا . وذروة الجبل أعلاه ، وهو بضم الذال ، وكسرها ورجف بهم الجبل أي اضطرب وتحرك حركة شديدة ، وحكى القاضي عن بعضهم أنه رواه : فزحف بالزاي والحاء ، وهو بمعنى الحركة ، لكن الأول هو الصحيح المشهور . والقرقور بضم القافين السفينة الصغيرة ، وقيل : الكبيرة ، واختار القاضي الصغيرة بعد حكايته خلافا كثيرا . وانكفأت بهم السفينة أي انقلبت والصعيد هنا الأرض البارزة . وكبد القوس مقبضها في الأرض .

                                                                                                                [ ص: 421 ] قوله : ( نزل بك حذرك ) أي ما كنت تحذر وتخاف . والأخدود هو الشق العظيم في الأرض ، وجمعه أخاديد والسكك الطرق ، وأفواهها أبوابها .

                                                                                                                قوله : ( من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها ) هكذا هو في عامة النسخ : ( فأحموه ) بهمزة قطع بعدها حاء ساكنة ، ونقل القاضي اتفاق النسخ على هذا . ووقع في بعض نسخ بلادنا : ( فأقحموه ) بالقاف ، وهذا ظاهر ، ومعناه اطرحوا فيها كرها . ومعنى الرواية الأولى ارموه فيها من قولهم حميت الحديدة وغيرها إذا أدخلتها النار لتحمى .

                                                                                                                قوله : ( فتقاعست ) أي توقفت ولزمت موضعها ، وكرهت الدخول في النار . وبالله التوفيق .




                                                                                                                الخدمات العلمية