الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه السادس عشر: أنك ذكرت عن الحنابلة «أنهم معترفون بأن ذاته تعالى مخالفة لذوات هذه المحسوسات» وهذا حق. لكن تخصيصك هذه المحسوسات يشعر أن في [ ص: 293 ] الوجود أو في العلم، ما لا تكون ذات الله مخالفة له، وليس كذلك، بل هو سبحانه ليس كمثله شيء. فإن كان لفظ المحسوسات يعم سائر الموجودات، فلا فرق بين قولك: «مخالفة لذوات هذه المحسوسات» وقولك: «مخالفة لذوات هذه الموجودات، والمعلومات» وإن لم يكن عاما كانت هذه عبارة ردية، وكان الواجب أن يقال: مخالفة لذوات المحسوسات، وإن قيل: إنه ليس من المحسوسات، كما يقول الفلاسفة في العقول والنفوس الناطقة. وكذلك لو قيل: المخالف للجسمانيات والروحانيات. على لغة العامة الذين يفرقون بين مسمى الجسم والروح; إذ الجسم عندهم أخص مما هو عند المتكلمين; ولهذا يفرقون بين الأجسام والأرواح. وأما اصطلاح المتكلمين فلفظ الجسم عندهم يعم هذا كله.

وكذلك قولك: «لا يساوي هذه الذوات في قبول الاجتماع والافتراق والتغير والفناء والصحة والمرض والحياة والموت» كلام صحيح; بل لا يساويها في شيء من الأشياء في صفات كمالها. وأما صفات النقص، فلا يوصف بها بحال، فهو سبحانه حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، حي لا يموت، لا يجوز عليه ضد العلم والقدرة والغنى وغير ذلك من صفات كماله، بل هو [ ص: 294 ] القدوس السلام، وصفات الكمال، كالعلم والقدرة والرحمة، لا يساوي منها شيء من صفاته، شيئا من صفات مخلوقاته، وهذا لفظ القاضي أبي يعلى - في كتابه «إبطال التأويلات لأخبار الصفات» مع جمعه فيه للأخبار الواردة في الصفات، وإبطاله التأويلات التي ذكرها ابن فورك وغيره، مثل ما ذكره الرازي في «تأسيس تقديسه».

التالي السابق


الخدمات العلمية