الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 156 ] القول في تأويل قوله ( الحي ) "

اختلف أهل التأويل في معنى قوله : " الحي " .

فقال بعضهم : معنى ذلك من الله - تعالى ذكره - : أنه وصف نفسه بالبقاء ، ونفى الموت - الذي يجوز على من سواه من خلقه - عنها .

ذكر من قال ذلك :

6548 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " الحي " الذي لا يموت ، وقد مات عيسى وصلب في قولهم يعني في قول الأحبار الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نصارى أهل نجران .

6549 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قوله : " الحي " قال : يقول : حي لا يموت .

وقال آخرون : معنى " الحي " الذي عناه الله - عز وجل - في هذه الآية ، ووصف به نفسه : أنه المتيسر له تدبير كل ما أراد وشاء ، لا يمتنع عليه شيء أراده ، وأنه ليس كمن لا تدبير له من الآلهة والأنداد .

وقال آخرون : معنى ذلك أن له الحياة الدائمة التي لم تزل له صفة ، ولا تزال كذلك . وقالوا : إنما وصف نفسه بالحياة ؛ لأن له حياة كما وصفها [ ص: 157 ] بالعلم ؛ لأن لها علما ، وبالقدرة ؛ لأن لها قدرة .

قال أبو جعفر : ومعنى ذلك عندي : أنه وصف نفسه بالحياة الدائمة التي لا فناء لها ولا انقطاع ، ونفى عنها ما هو حال بكل ذي حياة من خلقه من الفناء وانقطاع الحياة عند مجيء أجله . فأخبر عباده أنه المستوجب على خلقه العبادة والألوهة ، والحي الذي لا يموت ولا يبيد ، كما يموت كل من اتخذ من دونه ربا ، ويبيد كل من ادعى من دونه إلها . واحتج على خلقه بأن من كان يبيد فيزول ويموت فيفنى ، فلا يكون إلها يستوجب أن يعبد دون الإله الذي لا يبيد ولا يموت ، وأن الإله هو الدائم الذي لا يموت ولا يبيد ولا يفنى ، وذلك الله الذي لا إله إلا هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية