الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ابتغاء الفتنة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ابتغاء الشرك .

ذكر من قال ذلك :

6616 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ابتغاء الفتنة " قال : إرادة الشرك .

6617 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( ابتغاء الفتنة ) يعني الشرك . [ ص: 197 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : ابتغاء الشبهات .

ذكر من قال ذلك :

6618 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ابتغاء الفتنة " قال : الشبهات بها أهلكوا .

6619 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ابتغاء الفتنة " الشبهات ، قال : هلكوا به .

6620 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : " ابتغاء الفتنة " قال : الشبهات . قال : والشبهات ما أهلكوا به .

6621 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ابتغاء الفتنة " أي اللبس .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : " إرادة الشبهات واللبس " .

فمعنى الكلام إذا : فأما الذين في قلوبهم هيل عن الحق وحيف عنه فيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه ، واحتمل صرف صارفه في وجوه التأويلات - باحتماله المعاني المختلفة - إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره ، احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه ، دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه . [ ص: 198 ]

قال أبو جعفر : وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك ، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله بدعة فمال قلبه إليها ، تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن ، ثم حاج به وجادل به أهل الحق ، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات إرادة منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين ، وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك ، كائنا من كان ، وأي أصناف المبتدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية ، أو كان سبئيا ، أو حروريا ، أو قدريا ، أو جهميا ، كالذي قال - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا رأيتم الذين يجادلون به ، فهم الذين عنى الله ، فاحذروهم " ، وكما : -

6622 - حدثني يونس قال أخبرنا سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس - وذكر عنده الخوارج وما يلفون عند القرآن ، فقال : يؤمنون بمحكمه ، ويهلكون عند متشابهه ! وقرأ ابن عباس : " وما يعلم تأويله إلا الله " الآية .

قال أبو جعفر : وإنما قلنا القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله : " ابتغاء الفتنة " لأن الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهل شرك ، وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله اللبس على المسلمين ، والاحتجاج به عليهم ، ليصدوهم [ ص: 199 ] عما هم عليه من الحق ، فلا معنى لأن يقال : " فعلوا ذلك إرادة الشرك " وهم قد كانوا مشركين .

التالي السابق


الخدمات العلمية