الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 68 ] كتاب الأقضية واليمين مع الشاهد

                                                                                                                                            وما دخل فيه من اختلاف الحديث وغير ذلك

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي ، عن سيف بن سليمان ، عن قيس بن سعد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ، قال عمرو في الأموال ، ورواه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ومن حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ورواه عن علي ، وأبي بن كعب ، وعمر بن عبد العزيز ، وشريح " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف أهل العلم في الحكم بالشاهد واليمين ، فذهب الشافعي إلى جواز الحكم به .

                                                                                                                                            وهو في الصحابة قول الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم ، وأبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                            ومن التابعين : قول عمر بن عبد العزيز ، وشريح ، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن .

                                                                                                                                            وهو قول الفقهاء السبعة ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ومالك ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يحكم باليمين والشاهد ، ووافقه أصحابه عليه ، حتى قال محمد بن الحسن : انقض حكم الحاكم إذا حكم به .

                                                                                                                                            وبه قال من التابعين : الزهري ، والنخعي ، والشعبي ومن الفقهاء : ابن شبرمة ، وسفيان الثوري . استدلالا بقول الله تعالى : واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] ، فجعل القضاء مقصورا على أحد هذين الوجهين ، فكان القضاء بالشاهد واليمين زيادة عليهما ، والزيادة على النص تكون عندهم نسخا .

                                                                                                                                            [ ص: 69 ] وبرواية ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر " .

                                                                                                                                            فخص المدعي بالبينة ، والمنكر باليمين .

                                                                                                                                            وبرواية سماك ، عن علقمة بن وائل بن حجر ، عن أبيه ، أن رجلا من كندة ، ورجلا من حضرموت أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الحضرمي : يا رسول الله ، إن هذا غصبني أرضي ، ورثتها من أبي ، وقال الكندي : أرضي وفي يدي ، أزرعها لا حق له فيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : " ألك بينة " ، قال : لا ، قال : " لك يمينه " ، فقال الحضرمي : إنه فاجر ، لا يبالي على ما حلف ، إنه لا يتورع من شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لك منه إلا ذاك " فدل على أن ما عدا البينة لا يستوجب به حقا ، ولأن البينة موضوعة لإثبات الدعوى ، واليمين موضوعة لإنكارها ، فلما لم تنقل البينة إلى نفي المنكر ، وجب أن لا تنقل إلى إثبات المدعي .

                                                                                                                                            وتحريره قياسا : أنها حجة لأحد المتنازعين ، فلم يجز أن تنقل إلى خصمه كالبينة .

                                                                                                                                            ولأن نقصان العدد المشروع في البينة يمنع من الحكم بها كاليمين مع المرأتين .

                                                                                                                                            ولأنه لو كانت يمين المدعي مع شهادة الشاهد تقوم مقام شاهد ، لما قبلت فيه يمين عبد ولا فاسق ، وفي إجازتكم ليمين العبد والفاسق ما يمنع أن تقوم مقام الشاهد ، ولأنه لو قامت يمينه مقام شاهد ، لما ترتب بعد شهادة الشاهد ، لأن الشاهدين لا يترتبان ، ويجوز تقديم كل واحد منهما على صاحبه ، وفي قولكم : إن يمينه لا تقبل إلا بعد الشاهد - دليل على أنها لا تقوم مقام شاهد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية