الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 173 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم دخلت سنة ست وأربعين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها شتى المسلمون ببلاد الروم مع أميرهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وقيل : كان أميرهم غيره . والله أعلم . وحج بالناس فيها عتبة بن أبي سفيان أخو معاوية ، والعمال على البلاد هم المتقدم ذكرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي في هذه السنة سالم بن عمير ، أحد البكائين المذكورين في القرآن ، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد كلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سراقة بن كعب ، شهد بدرا وما بعدها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الرحمن بن خالد بن الوليد القرشي المخزومي ، وكان من الشجعان المعروفين والأبطال المشهورين كأبيه ، وكان قد عظم ببلاد الشام كذلك حتى خاف منه معاوية ، ومات وهو مسموم ، رحمه الله وأكرم مثواه . وقال ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني : أدرك النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى ابن عساكر من طريق أبى عمر ، أن عمرو بن قيس روى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة بين الكتفين . قال البخاري : وهو منقطع . يعني مرسلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 174 ] وقال الزبير بن بكار : كان عظيم القدر في أهل الشام ، شهد صفين مع معاوية ، وكان كعب بن جعيل مداحا له ولأخويه مهاجر وعبد الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن سميع : كان يلي الصوائف زمن معاوية ، وقد حفظ عن معاوية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر ابن جرير وغيره أن رجلا يقال له ابن أثال - وكان رئيس الذمة بأرض حمص - سقاه شربة فيها سم فمات . وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك ، ولا يصح ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رثاه بعضهم فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبوك الذي قاد الجيوش مغربا إلى الروم لما أعطت الخرج فارس     وكم من فتى نبهته بعد هجعة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بقرع اللجام وهو أكتع ناعس     وما يستوي الصفان صف لخالد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وصف عليه من دمشق البرانس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكروا أن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قدم المدينة فقال له عروة بن الزبير : ما فعل ابن أثال ؟ فسكت خالد بن عبد الرحمن ، ثم رجع إلى حمص فثار على ابن أثال فقتله ، فحبسه معاوية ثم أطلقه ، ثم قدم المدينة ، [ ص: 175 ] فقال له عروة : ما فعل ابن أثال ؟ فقال : قد كفيتك إياه ، ولكن ما فعل ابن جرموز ؟ فسكت عروة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي محمد بن مسلمة ، في قول ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هرم بن حيان العبدي ، كان أحد عمال عمر بن الخطاب ، ولقي - أويسا القرني ، وكان من عقلاء الناس وعلمائهم ، ويقال : إنه لما دفن جاءت سحابة فرشت قبره وحده ، ونبت العشب عليه من وقته ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية