الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 375 ] قاعدة مختصرة

في الحسن والقبح العقليين [ ص: 376 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبي

الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.

فصل في الحكم العقلي

فالأفعال إما شرعية وإما عقلية، لكن العقل كاشف لحكمها لا مثبت له، والشارع مثبت وكاشف. ومن الناس من يقول: بل هو مثبت فقط، ومنهم من يقول: بل هو كاشف فقط.

وأحكام الأفعال هي المعروفة بمسألة الحسن والقبح العقليين، فإنها من أصول المسائل التي يفرعون عليها أمورا كثيرة. وقد اضطرب الناس فيها، فلكل من أصحاب أحمد ومالك والشافعي فيها قولان، والحنفية يقولون بها، وذكروا ذلك أيضا عن أبي حنيفة، ولأهل الحديث فيها قولان، وقد ذكر أبو نصر السجزي، وأبو القاسم سعد بن علي الزنجاني: أن نفيهما مما أحدثه الأشعري. وذكر أبو الخطاب أن [ ص: 378 ] إثبات ذلك قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، وهو قول كثير من النظار المثبتة للقدر كالكرامية وغيرهم، وهو قول المعتزلة وغيرهم من نفاة القدر ومن وافقهم من الشيعة.

وتحقيق الكلام فيها يتضمن فصولا:

أحدها: اتصاف الأفعال بصفات لأجلها كانت حسنة أو قبيحة سيئة.

والثاني: أن تلك الصفات هل تدرك بالعقل أم لا؟

والثالث: أن ذلك هل يوجب العذاب بدون الشرع أم لا؟

وأصل المسألة الذي به تنكشف حقيقتها: معنى كون الشيء حسنا وسيئا، هل له حقيقة غير كونه ملائما للفاعل ومنافرا له؟

فإنهم قد اتفقوا على أن كون الفعل حسنا [أ] وقبيحا سيئا، بمعنى كونه ملائما للفاعل بحيث يحصل له به فرح ولذة، أو منافيا للفاعل بحيث يحصل له به غم وألم، وهو مما قد يعرف بالعقل. وزاد بعضهم: كون الفعل صفة كمال وصفة نقص. فجعل ذلك مما يعلم بالعقل اتفاقا، وجعلوا مورد النزاع في كون الفعل هل يكون سببا للذم والعقاب عاجلا وآجلا؟ [ ص: 379 ] وإذا كان كذلك فيقال: كون الفعل يكون سببا للذم والعقاب هو من أنواع كونه ملائما للفاعل ومنافرا له، فإن حمد الفاعل وثوابه يلائمه، وذمه وعقابه ينافره.

فإذا قيل: الملاءمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية قد تعلم بالعقل باتفاق العقلاء.

فيقال: كل ملاءمة ومنافاة للإنسان إنما تعود إلى الملاءمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية، لكن من الأفعال ما تكون فيه ملاءمة ولذة، ويكون فيها منافرة وألم أرجح من ذلك. فيكون ملائما من وجه منافرا من وجه، محبوبا لذيذا من وجه بغيضا مؤلما من وجه.

وقد تكون اللذة عاجلة والألم آجلا، فعقل الإنسان يأمره بترجيح أحب الأمرين إليه وهو أصلحهما وأنفعهما وأكملهما لذة، ويأمره بترجيح اللذة الكاملة الآجلة على اللذة القليلة العاجلة; ولهذا كان جميع العقلاء يحتملون ألما قليلا للذة كثيرة، ويمتنعون عن لذة قليلة لتحصيل لذة جليلة، ويقولون: هذا مقتضى الهوى والطبع، وهذا مقتضى العقل والشرع.

التالي السابق


الخدمات العلمية