الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل اللهم )

قال أبو جعفر : أما تأويل : " قل اللهم " فإنه : قل يا محمد : يا الله .

واختلف أهل العربية في نصب " ميم " " اللهم " وهو منادى ، وحكم المنادى المفرد غير المضاف الرفع وفي دخول " الميم " فيه ، وهو في الأصل " الله " بغير " ميم " . [ ص: 296 ] فقال بعضهم : إنما زيدت فيه " الميمان " لأنه لا ينادى ب " يا " كما ينادى الأسماء التي لا " ألف " فيها ولا " لام " . وذلك أن الأسماء التي لا " ألف " ولا " لام " فيها تنادى ب " يا " كقول القائل : " يا زيد ، ويا عمرو " . قال : فجعلت " الميم " فيه خلفا من " يا " كما قالوا : " فم ، وابنم ، وهم ، وزرقم ، وستهم " وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف ، ثم يبدل مكانه " ميم " . قال : فكذلك حذفت من " اللهم " " يا " التي ينادى بها الأسماء التي على ما وصفنا ، وجعلت " الميم " خلفا منها في آخر الاسم . [ ص: 297 ]

وأنكر ذلك من قولهم آخرون ، وقالوا : قد سمعنا العرب تنادي : " اللهم " ب " يا " كما تناديه ولا " ميم " فيه . قالوا : فلو كان الذي قال هذا القول مصيبا في دعواه ، لم تدخل العرب " يا " وقد جاءوا بالخلف منها . وأنشدوا في ذلك سماعا من العرب :

وما عليك أن تقولي كلما صليت أو كبرت يا أللهما

    اردد علينا شيخنا مسلما


ويروى : " سبحت أو كبرت " . قالوا : ولم نر العرب زادت مثل هذه " الميم " إلا مخففة في نواقص الأسماء مثل : " الفم ، وابنم ، وهم " قالوا : ونحن نرى أنها كلمة ضم إليها " أم " بمعنى : " يا ألله أمنا بخير " فكثرت في الكلام فاختلطت به . قالوا : فالضمة التي في " الهاء " من همزة " أم " لما تركت انتقلت إلى ما قبلها . قالوا : ونرى أن قول العرب : " هلم إلينا " مثلها . إنما كان " هلم " " هل " ضم إليها " أم " فتركت على نصبها . قالوا : من العرب من يقول إذا طرح " الميم " : " يا الله اغفر لي " و " يا ألله اغفر لي " بهمز " الألف " من " الله " مرة ، ووصلها أخرى ، فمن حذفها أجراها على أصلها ، لأنها " ألف ولام " مثل " الألف واللام " اللتين يدخلان في الأسماء المعارف زائدتين . ومن همزها توهم أنها من الحرف ، [ ص: 298 ] إذ كانت لا تسقط منه ، وأنشدوا في همز الألف منها :

مبارك هو ومن سماه     على اسمك اللهم يا ألله


قالوا : وقد كثرت " اللهم " في الكلام ، حتى خففت ميمها في بعض اللغات ، وأنشدوا :

كحلفة من أبي رياح     يسمعها اللهم الكبار


والرواة تنشد ذلك :


يسمعها لاهه الكبار

[ ص: 299 ]

وقد أنشده بعضهم :

يسمعها الله والله كبار



التالي السابق


الخدمات العلمية