الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : " تأويل ذلك : أنه يخرج الشيء الحي من النطفة الميتة ، ويخرج النطفة الميتة من الشيء الحي " .

ذكر من قال ذلك :

6804 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة .

6805 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة ، ويخرجها من الناس الأحياء ، والأنعام .

6806 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . [ ص: 305 ]

6807 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " فذكر نحوه .

6808 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " فالنطفة ميتة تكون ، تخرج من إنسان حي ، ويخرج إنسان حي من نطفة ميتة .

6809 - حدثني محمد بن عمر بن علي بن عطاء المقدمي قال : حدثنا أشعث السجستاني قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله . " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : تخرج النطفة من الرجل ، والرجل من النطفة .

6810 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : تخرج الحي من هذه النطفة الميتة ، وتخرج هذه النطفة الميتة من الحي .

6811 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " الآية ، قال : الناس الأحياء من النطف ، والنطف الميتة من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبت كذلك قال ابن جريج : وسمعت يزيد بن عويمر يخبر ، عن سعيد بن جبير قال : إخراجه النطفة من الإنسان ، وإخراجه الإنسان من النطفة . [ ص: 306 ]

6812 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : النطفة ميتة ، فتخرج منها أحياء " وتخرج الميت من الحي " تخرج النطفة من هؤلاء الأحياء ، والحب ميت تخرج منه حيا " وتخرج الميت من الحي " تخرج من هذا الحي حبا ميتا .

وقال آخرون : معنى ذلك : " أنه يخرج النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والسنبل من الحب ، والحب من السنبل ، والبيض من الدجاج ، والدجاج من البيض " .

ذكر من قال ذلك .

6813 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا عبد الله ، عن عكرمة قوله : " تخرج الحي من الميت " قال : هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة ، ثم يخرج منها الحي .

6814 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله . " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة .

وقال آخرون : " معنى ذلك : أنه يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن " .

ذكر من قال ذلك :

6815 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حي الفؤاد ، والكافر عبد ميت الفؤاد . [ ص: 307 ]

6816 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : قال الحسن في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن .

6819 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث ، عن سعيد بن عمرو ، عن الحسن قرأ : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : تخرج المؤمن من الكافر ، وتخرج الكافر من المؤمن .

6820 - حدثني حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، أو عن ابن مسعود وأكبر ظني أنه عن سلمان قال : إن الله - عز وجل - خمر طينة آدم أربعين ليلة - أو قال : أربعين يوما - ثم قال بيده فيه ، فخرج كل طيب في يمينه ، وخرج كل خبيث في يده الأخرى ، ثم خلط بينهما ، ثم خلق منها آدم ، فمن ثم يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن . [ ص: 308 ]

6821 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على بعض نسائه ، فإذا بامرأة حسنة النعمة ، فقال : من هذه ؟ قالت إحدى خالاتك ! قال : إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب ! وأي خالاتي هذه ؟ قالت : خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث . قال : سبحان الذي يخرج الحي من الميت ! وكانت امرأة صالحة ، وكان أبوها كافرا .

6822 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : هل علمتم أن الكافر يلد مؤمنا ، وأن المؤمن يلد كافرا ؟ فقال : هو كذلك . [ ص: 309 ]

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في هذه الآية بالصواب ، تأويل من قال : " يخرج الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الميتة وذلك إخراج الحي من الميت ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء وذلك إخراج الميت من الحي " .

وذلك أن كل حي فارقه شيء من جسده ، فذلك الذي فارقه منه ميت . فالنطفة ميتة لمفارقتها جسد من خرجت منه ، ثم ينشئ الله منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما أحياء . وكذلك حكم كل شيء حي زايله شيء منه ، فالذي زايله منه ميت . وذلك هو نظير قوله : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) [ سورة البقرة : 28 ] .

وأما تأويل من تأوله بمعنى الحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة ، والبيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن فإن ذلك ، وإن كان له وجه مفهوم ، فليس ذلك الأغلب الظاهر في استعمال الناس في الكلام . وتوجيه معاني كتاب الله - عز وجل - إلى الظاهر المستعمل في الناس ، أولى من توجيهها إلى الخفي القليل في الاستعمال .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته جماعة منهم : ( تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) بالتشديد ، وتثقيل " الياء " من " الميت " بمعنى أنه يخرج الشيء الحي من الشيء الذي قد مات ، ومما لم يمت . [ ص: 310 ]

وقرأت جماعة أخرى منهم : ( تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) بتخفيف " الياء " من " الميت " بمعنى أنه يخرج الشيء الحي من الشيء الذي قد مات ، دون الشيء الذي لم يمت ، ويخرج الشيء الميت ، دون الشيء الذي لم يمت ، من الشيء الحي .

وذلك أن " الميت " مثقل " الياء " عند العرب : ما لم يمت وسيموت ، وما قد مات .

وأما " الميت " مخففا ، فهو الذي قد مات ، فإذا أرادوا النعت قالوا : " إنك مائت غدا ، وإنهم مائتون " . وكذلك كل ما لم يكن بعد ، فإنه يخرج - على هذا المثال - الاسم منه . يقال : " هو الجائد بنفسه والطائبة نفسه بذلك " وإذا أريد معنى الاسم قيل : " هو الجواد بنفسه والطيبة نفسه " .

قال أبو جعفر : فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى القراءتين في هذه الآية بالصواب ، قراءة من شدد " الياء " من " الميت " . لأن الله - جل ثناؤه - يخرج الحي من النطفة التي قد فارقت الرجل فصارت ميتة ، وسيخرجه منها بعد أن تفارقه وهي في صلب الرجل " ويخرج الميت من الحي " النطفة التي تصير بخروجها من الرجل الحي ميتا ، وهي قبل خروجها منه حية . فالتشديد أبلغ في المدح وأكمل في الثناء .

التالي السابق


الخدمات العلمية