تفسير سورة طه
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى
(1 -2 طه من جملة الحروف المقطعة، المفتتح بها كثير من السور، وليست اسما للنبي صلى الله عليه وسلم.
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ؛ أي: ليس المقصود بالوحي وإنزال القرآن عليك وشرع الشريعة لتشقى بذلك، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين، وتعجز عنه قوى العاملين. وإنما ، وسهله غاية التسهيل، ويسر كل طرقه وأبوابه، وجعله غذاء للقلوب والأرواح، وراحة للأبدان، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان؛ لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة، ولهذا قال: الوحي والقرآن والشرع شرعه الرحيم الرحمن وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز
(3) إلا تذكرة لمن يخشى إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى، فيتذكر ما فيه من الترغيب لأجل المطالب، فيعمل بذلك، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران فيرهب منه، ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة، التي كان مستقرا في عقله حسنها مجملا، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله، ولهذا سماه الله تذكرة والتذكرة لشيء كان موجودا، إلا أن صاحبه غافل عنه، أو غير مستحضر لتفصيله. وخص بالتذكرة من يخشى ؛ لأن غيره لا ينتفع به، وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار، ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة؟! هذا ما لا يكون، سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى .
(4) ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم، وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات [ ص: 1018 ] المدبر لجميع المخلوقات، أي فاقبلوا تنزيله بغاية الإذعان والمحبة والتسليم، وعظموه نهاية التعظيم، وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر، كما في هذه الآية، وكما في قوله ألا له الخلق والأمر وفي قوله الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن وذلك أنه الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه فليس على الخلق إلزام ولا أمر ولا نهي إلا من خالقهم، وأيضا فإن خلقه للخلق فيه التدبير القدري الكوني، وأمره فيه التدبير الشرعي الديني، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة فلم يخلق شيئا عبثا، فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة وإحسان. (5) فلما بين أنه الخالق المدبر الآمر الناهي أخبر عن عظمته وكبريائه فقال: الرحمن على العرش الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها وأوسعها استوى : استواء يليق بجلاله، ويناسب عظمته وجماله، فاستوى على العرش واحتوى على الملك.
(6) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما من ملك وإنسي وجني وحيوان وجماد ونبات وما تحت الثرى ؛ أي: الأرض، فالجميع ملك لله - تعالى - عبيد مدبرون مسخرون تحت قضائه وتدبيره، ليس لهم من الملك شيء، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .
(7) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر الكلام الخفي، وأخفى من السر الذي في القلب، ولم ينطق به، أو السر ما خطر على القلب وأخفى ما لم يخطر، يعلم تعالى أنه يخطر في وقته وعلى صفته، المعنى أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، دقيقها وجليلها خفيها وظاهرها، فسواء جهرت بقولك أو أسررته فالكل سواء بالنسبة لعلمه تعالى.
(8) فلما قرر كماله المطلق بعموم خلقه وعموم أمره ونهيه وعموم رحمته وسعة عظمته وعلوه على عرشه وعموم ملكه وعموم علمه؛ نتج من ذلك أنه المستحق للعبادة، وأن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع والعقل والفطرة، وعبادة غيره باطلة فقال: الله لا إله إلا هو ؛ أي: . لا معبود بحق ولا مألوه بالحب والذل والخوف والرجاء والمحبة والإنابة والدعاء إلا هو
له الأسماء الحسنى ؛ [ ص: 1019 ] أي: له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى، من حسنها أنها كلها أسماء دالة على المدح، فليس فيها اسم لا يدل على المدح والحمد، ومن حسنها أنها ليست أعلاما محضة وإنما هي أسماء وأوصاف، ومن حسنها أنها دالة على الصفات الكاملة، وأن له من كل صفة أكملها وأعمها وأجلها، ومن حسنها أنه أمر العباد أن يدعوه بها؛ لأنها وسيلة مقربة إليه، يحبها ويحب من يحبها، ويحب من يحفظها، ويحب من يبحث عن معانيها، ويتعبد له بها، قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها .
تفسير سورة طه
- تفسير قوله تعالى طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
- تفسير قوله تعالى وهل أتاك حديث موسى
- تفسير قوله تعالى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه
- تفسير قوله تعالى وما تلك بيمينك يا موسى
- تفسير قوله تعالى اذهب إلى فرعون إنه طغى
- تفسير قوله تعالى ولقد مننا عليك مرة أخرى
- تفسير قوله تعالى اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري
- تفسير قوله تعالى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك
- تفسير قوله تعالى قال فمن ربكما يا موسى
- تفسير قوله تعالى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى
- تفسير قوله تعالى إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم
- تفسير قوله تعالى ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي
- تفسير قوله تعالى يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم
- تفسير قوله تعالى وما أعجلك عن قومك يا موسى
- تفسير قوله تعالى قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا
- تفسير قوله تعالى ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم
- تفسير قوله تعالى قال فما خطبك يا سامري
- تفسير قوله تعالى إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو
- تفسير قوله تعالى كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق
- تفسير قوله تعالى يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين
- تفسير قوله تعالى ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا
- تفسير قوله تعالى وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا
- تفسير قوله تعالى فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن
- تفسير قوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي
- تفسير قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا
- تفسير قوله تعالى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو
- تفسير قوله تعالى أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون
- تفسير قوله تعالى ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما
- تفسير قوله تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا
- تفسير قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها
- تفسير قوله تعالى وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه