الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 427 ] 81 - فصل

                          في عيادة أهل الكتاب .

                          قال المروذي : بلغني أن أبا عبد الله سئل عن رجل له قرابة نصراني : يعوده ؟ قال : نعم .

                          قال الأثرم : وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل له قرابة نصراني يعوده ؟ قال : نعم ، قيل له : نصراني ، قال : أرجو ألا تضيق العيادة .

                          قال الأثرم : وقلت له مرة أخرى يعود الرجل اليهود والنصارى ؟ قال : أليس عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهودي ودعاه إلى الإسلام ؟

                          وقال أبو مسعود الأصبهاني : سألت أحمد بن حنبل عن عيادة القرابة والجار النصراني ، قال : نعم .

                          وقال الفضل بن زياد : سمعت أحمد سئل عن الرجل المسلم يعود [ ص: 428 ] أحدا من المشركين ، قال : إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده ، كما عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الغلام اليهودي ، فعرض عليه الإسلام .

                          وقال إسحاق بن إبراهيم : سألت أبا عبد الله عن الرجل يكون له الجار النصراني فإذا مرض يعوده ؟ قال : يحيى فيقوم على الباب ويعذر إليه .

                          وقال مهنأ : سألت أبا عبد الله عن الرجل يعود الكافر ، فقال : إذا كان يرتجيه فلا بأس به ، ويعرض عليه الإسلام ، قلت له : وترى إذا عاده يدعوه إلى الإسلام ؟ قال : نعم .

                          وقال أبو داود : سمعت أحمد يسأل عن عيادة اليهودي والنصراني ، فقال : إذا كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام نعم .

                          [ ص: 429 ] وقال جعفر بن محمد : سئل أبو عبد الله عن الرجل يعود شريكا له يهوديا أو نصرانيا ، قال : لا ، ولا كرامة .

                          فهذه ثلاث روايات منصوصات عن أحمد : المنع ، والإذن ، والتفصيل ، فإن أمكنه أن يدعوه إلى الإسلام ويرجو ذلك منه عاده .

                          وقد ثبت في " صحيح " البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار .

                          وفي " الصحيحين " عن سعيد بن المسيب أن أباه أخبره قال : لما [ ص: 430 ] حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب : " أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله " .

                          فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله عز وجل : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
                          .

                          وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عاد عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين .

                          [ ص: 431 ] وقال الأثرم : حدثني مصرف بن عمرو الهمداني ، ثنا يونس - يعني ابن بكير - ثنا سعيد بن ميسرة قال : سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد رجلا على غير دين الإسلام لم يجلس عنده وقال : كيف أنت يا يهودي يا نصراني ؟

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية