الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    103 - ( فصل )

                    ومن هاهنا : منع غير واحد من العلماء - كأبي حنيفة وأصحابه - القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة : أن يشتركوا ، فإنهم إذا اشتركوا - والناس يحتاجون إليهم - أغلوا عليهم الأجرة .

                    قلت : وكذلك ينبغي لوالي الحسبة : أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك ، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم ; وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم ; كالشهود والدلالين وغيرهم ; على أن في شركة الشهود مبطلا آخر ; فإن عمل كل واحد منهم متميز عن عمل الآخر ، لا يمكن الاشتراك فيه ; فإن الكتابة متميزة ; والتحمل متميز ; والأداء متميز ; لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون ، فبأي وجه يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه ؟ وهذا بخلاف الاشتراك في سائر الصنائع ، فإنه يمكن أحد الشريكين أن يعمل بعض العمل والآخر بعضه ، ولهذا إذا اختلفت الصنائع : لم تصح الشركة على أحد الوجهين ، لتعذر اشتراكهما في العمل ، [ ص: 208 ] ومن صححها نظر إلى أنهما يشتركان فيما تتم به صناعة كل واحد منهما من الحفظ والنظر إذا خرج لحاجة ، فيقع الاشتراك فيما يتم به عمل كل واحد منهما ، وإن لم يقع في عين العمل .

                    وأما شركة الدلالين : ففيها أمر آخر ، وهو أن الدلال وكيل صاحب السلعة في بيعها ، فإذا شارك غيره في بيعها كان توكيلا له فيما وكل فيه ، فإن قلنا : ليس للوكيل أن يوكل : لم تصح الشركة ، وإن قلنا : له أن يوكل : صحت . فعلى والي الحسبة : أن يعرف هذه الأمور ، ويراعيها ، ويراعي مصالح الناس ، وهيهات هيهات ، ذهب ما هنالك .

                    والمقصود : أنه إذا منع القسامون ونحوهم من الشركة ، لما فيها من التواطؤ على إغلاء الأجرة ، فمنع البائعين الذين تواطئوا على ألا يبيعوا إلا بثمن مقدر أولى وأحرى . وكذلك يمنع والي الحسبة المشترين من الاشتراك في شيء لا يشتريه غيرهم ، لما في ذلك من ظلم البائع . وأيضا : فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها : قد تواطئوا على أن يهضموا ما يشترونه ، فيشتروه بدون ثمن المثل ، ويبيعوا ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل ، ويقتسموا ما يشتركون فيه من الزيادة : كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان ، وقد قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .

                    ولا ريب أن هذا أعظم إثما وعدوانا من تلقي السلع ، وبيع الحاضر للبادي ، ومن النجش .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية