الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يبين ذلك:

الوجه الخامس والعشرون

وهو أن الله سبحانه وتعالى قد بين في كتابه أن معارضة مثل هذا فعل الشياطين المعادين للأنبياء.

قال تعالى: اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون [سورة الأنعام: 106-110] أي وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون، وأنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم، كما لم يؤمنوا به أول مرة.

فقوله: ونقلب أفئدتهم معطوف على قوله لا يؤمنون ، وكلاهما داخل في معنى قوله: وما [ ص: 217 ] يشعركم وبهذا تزول شبهة من لم يفهم الآية، فظن أن (أن) بمعنى (لعل) لتوهمه أن قوله: (ونقلب) فعل مبتدأ، إلى قوله: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم [سورة الأنعام: 112-115] .

ومن تدبر هؤلاء الآيات علم أنها منطبقة على من يعارض كلام الأنبياء بكلام غيرهم بحسب حاله، فإن هؤلاء هم أعداء ما جاءت به الأنبياء.

وأصل العداوة البغض، كما أن أصل الولاية [الحب]. ومن المعلوم أنك لا تجد أحدا ممن يرد نصوص الكتاب والسنة بقوله إلا وهو يبغض ما خالف قوله، ويود أن تلك الآية لم تكن نزلت، وأن ذلك الحديث لم يرد، ولو أمكنه كشط ذلك في المصحف لفعله.

قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا خرجت حلاوة الحديث من قلبه.

وقيل عن بعض رؤوس الجهمية - إما بشر المريسي، أو غيره- : [ ص: 218 ] إنه قال: ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فأقروا به في الظاهر، ثم صرفوه بالتأويل.

ويقال: إنه قال: إذا احتجوا عليكم بالحديث فغالطوهم بالتكذيب، وإذا احتجوا بالآيات فغالطوهم بالتأويل.

ولهذا تجد الواحد من هؤلاء لا يحب تبليغ النصوص النبوية، بل قد يختار كتمان ذلك والنهي عن إشاعته وتبليغه، خلافا لما أمر الله به ورسوله من التبليغ عنه.

كما قال: «ليبلغ الشاهد الغائب» .

وقال: «بلغوا عني ولو آية» .

وقال: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه، [ ص: 219 ] فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» .

وقد ذم الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزله الله، لأنه معارض لما يقولونه، وفيهم جاء الأثر المعروف عن عمر: قال: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم السنن أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، وسئلوا فقالوا في الدين برأيهم.

فذكر أنهم أعداء السنن.

التالي السابق


الخدمات العلمية