الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 381 ] القول في تأويل قوله ( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر )

قال أبو جعفر : يعني أن زكريا قال إذ نادته الملائكة : " أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " " أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر " ؟ يعني : من بلغ من السن ما بلغت لم يولد له " وامرأتي عاقر " .

" والعاقر " من النساء التي لا تلد . يقال منه : " امرأة عاقر ، ورجل عاقر " كما قال عامر بن الطفيل :


لبئس الفتى ! إن كنت أعور عاقرا جبانا ، فما عذري لدى كل محضر ! !



وأما " الكبر " فمصدر : " كبر فهو يكبر كبرا " .

وقيل : " بلغني الكبر " وقد قال في موضع آخر : ( قد بلغت من الكبر ) [ ص: 382 ] [ سورة مريم : 8 ] ، لأن ما بلغك فقد بلغته . وإنما معناه : قد كبرت ، وهو كقول القائل : " قد بلغني الجهد " بمعنى : أني في جهد .

فإن قال قائل : وكيف قال زكريا وهو نبي الله : " رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " وقد بشرته الملائكة بما بشرته به عن أمر الله إياها به ؟ أشك في صدقهم ؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان بالله ! فكيف الأنبياء والمرسلون ؟ أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربه ؟ فذلك أعظم في البلية !

قيل : كان ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - على غير ما ظننت ، بل كان قيله ما قال من ذلك ، كما : -

7001 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لما سمع النداء - يعني زكريا ، لما سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيى - جاءه الشيطان فقال له : يا زكريا ، إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ! ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر ! فشك مكانه ، وقال : " أني يكون لي غلام " ذكر ؟ يقول : من أين ؟ " وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " .

7002 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة قال : فأتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه فقال : هل تدري من ناداك ؟ قال : نعم ! نادتني ملائكة ربي ! قال : بل ذلك الشيطان ! [ ص: 383 ] لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك ! فقال : " رب اجعل لي آية " .

فكان قوله ما قال من ذلك ، ومراجعته ربه فيما راجع فيه بقوله : " أنى يكون لي غلام " للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان حتى خيلت إليه أن النداء الذي سمعه كان نداء من غير الملائكة ، فقال : " رب أني يكون لي غلام " مستثبتا في أمره ، ليتقرر عنده بآية يريها الله في ذلك - أنه بشارة من الله على ألسن ملائكته ، ولذلك قال : " رب اجعل لي آية " .

وقد يجوز أن يكون قيله ذلك ، مسألة منه ربه : من أي وجه يكون الولد الذي بشر به ؟ أمن زوجته ؟ فهي عاقر - أم من غيرها من النساء ؟ فيكون ذلك على غير الوجه الذي قاله عكرمة والسدي ومن قال مثل قولهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية