الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 407 ] القول في تأويل قوله ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " وما كنت لديهم " وما كنت ، يا محمد ، عندهم فتعلم ما نعلمكه من أخبارهم التي لم تشهدها ، ولكنك إنما تعلم ذلك فتدرك معرفته ، بتعريفناكه .

ومعنى قوله : " لديهم " عندهم .

ومعنى قوله : " إذ يلقون " ، حين يلقون أقلامهم .

وأما " أقلامهم " فسهامهم التي استهم بها المستهمون من بني إسرائيل على كفالة مريم ، على ما قد بينا قبل في قوله : " وكفلها زكريا " .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7052 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا هشام بن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : " وما كنت لديهم " يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - .

7053 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، [ ص: 408 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يلقون أقلامهم ، زكريا وأصحابه ، استهموا بأقلامهم على مريم حين دخلت عليهم .

7054 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم ، فتشاح عليها بنو إسرائيل ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، فقرعهم زكريا ، وكان زوج أختها ، " فكفلها زكريا " يقول : ضمها إليه .

7056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " يلقون أقلامهم " قال : تساهموا على مريم أيهم يكفلها ، فقرعهم زكريا .

7057 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " وإن مريم لما وضعت في المسجد ، اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي ، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها ، فقال الله - عز وجل - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " .

7058 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد [ ص: 409 ] قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " اقترعوا بأقلامهم أيهم يكفل مريم ، فقرعهم زكريا .

7059 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم " قال : حيث اقترعوا على مريم ، وكان غيبا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره الله .

وإنما قيل : " أيهم يكفل مريم " لأن إلقاء المستهمين أقلامهم على مريم ، إنما كان لينظروا أيهم أولى بكفالتها وأحق . ففي قوله - عز وجل - : " إذ يلقون أقلامهم " دلالة على محذوف من الكلام ، وهو : " لينظروا أيهم يكفل ، وليتبينوا ذلك ويعلموه " .

فإن ظن ظان أن الواجب في " أيهم " النصب ، إذ كان ذلك معناه ، فقد ظن خطأ . وذلك أن " النظر " و " التبين " و " العلم " مع " أي " يقتضي استفهاما واستخبارا ، وحظ " أي " في الاستخبار ، الابتداء وبطول عمل المسألة والاستخبار عنه . وذلك أن معنى قول القائل : " لأنظرن أيهم قام " لأستخبرن الناس : أيهم قام ، وكذلك قولهم : " لأعلمن " .

وقد دللنا فيما مضى قبل أن معنى " يكفل " يضم ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية