الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
إذا ظهر ذلك، فقولهم: "المحدث بعد عدمه يكون عدمه سابقا على وجوده، وتلك القبلية أمر زائد على ذات العدم، ولا محالة قبل كل قبلية قبلية أخرى، فإذن هاهنا قبليات لا نهاية لها ولا بداية، ولا يعنى بالزمان إلا بما تلحقه القبلية والبعدية لذاته، فإذن لا أول للزمان، فإذن يلزم من حدوثه بعد عدمه قدم الزمان، فيكون حدوث العالم بهذا التفسير مستلزما لقدمه".

يجاب عنه بوجوه: أحدها: أن يقال لهم: لا ريب أن هذا العدم قبل الوجود، [ ص: 221 ] فإن كان كما يوصف بأنه قبل غيره أو بعده يكون زمانا لزم أن يكون الله زمانا، وكل موجود زمانا، إذا قيل: إن هذا قبل هذا أو بعده، فالوجود قبل العدم، والعدم قبل الوجود، والوجود قبل الموجود، فإن كان الموصوف بأنه قبل وبأنه بعد زمانا فهذه الأشياء كلها زمان، وهذا لا يقوله أحد، وإن قيل إن وصف الشيء بأنه قبل أو بعد يستلزم الزمان، والزمان هو الذي يلحقه القبل والبعد لذاته، وهذه الأمور لا يلحقها ذلك لذاتها، فيقال: تقدم العدم على الوجود لا يقتضي ذلك؛ لكن يقتضي أن ذلك مستلزم للزمان، والزمان على هذا التقدير ما يعقل فيه التقدم والتأخر وإن كان معدوما؛ إذ التقدير أن العدم يتقدم على الوجود، وإذا كان كذلك فالزمان بهذا الاعتبار لا يجب أن يكون وجوديا؛ بل يكون عدميا، وإن عقل فيه التقدم والتأخر؛ إذ لا فرق في التوقيت بين العدم والوجود، فإنه قد يقال: هذا كان وقت عدم كذا وفنائه، كما يقال: وقت وجوده وحدوثه، ثم كل منهما قد يتميز بعضه عن بعض كالوجود المختلف والعدم المختلف، وقد لا يتميز كالوجود الواحد والعدم الواحد / فظهر أن ذلك لا يستلزم قدم موجود.

التالي السابق


الخدمات العلمية