الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حرف النون

نخل : مذكور في القرآن في غير موضع ، وفي " الصحيحين " : عن ( ابن عمر [ ص: 365 ] رضي الله عنهما ، قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجمار نخلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها ، أخبروني ما هي ؟ فوقع الناس في شجر البوادي ، فوقع في نفسي أنها النخلة ، فأردت أن أقول : هي النخلة ، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سنا ، فسكت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي النخلة " فذكرت ذلك لعمر ، فقال لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا ) .

ففي هذا الحديث إلقاء العالم المسائل على أصحابه ، وتمرينهم ، واختبار ما عندهم .

وفيه ضرب الأمثال والتشبيه .

وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم .

وفيه فرح الرجل بإصابة ولده ، وتوفيقه للصواب .

وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه ، وإن لم يعرفه الأب وليس في ذلك إساءة أدب عليه .

وفيه ما تضمنه تشبيه المسلم بالنخلة من كثرة خيرها ، ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام .

وثمرها يؤكل رطبا ويابسا وبلحا ويانعا ، وهو غذاء ودواء وقوت وحلوى ، وشراب وفاكهة ، وجذوعها للبناء والآلات والأواني ، ويتخذ من خوصها الحصر والمكاتل والأواني والمراوح ، وغير ذلك ، ومن ليفها الحبال [ ص: 366 ] والحشايا وغيرها ، ثم آخر شيء نواها علف للإبل ، ويدخل في الأدوية والأكحال ، ثم جمال ثمرتها ونباتها وحسن هيئتها ، وبهجة منظرها وحسن نضد ثمرها وصنعته وبهجته ومسرة النفوس عند رؤيته فرؤيتها مذكرة لفاطرها وخالقها وبديع صنعته وكمال قدرته وتمام حكمته ولا شيء أشبه بها من الرجل المؤمن إذ هو خير كله ونفع ظاهر وباطن .

وهي الشجرة التي حن جذعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارقه شوقا إلى قربه وسماع كلامه وهي التي نزلت تحتها مريم لما ولدت عيسى عليه السلام . وقد ورد في حديث في إسناده نظر ( أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم ) .

وقد اختلف الناس في تفضيلها على الحبلة أو بالعكس على قولين ، وقد قرن الله بينهما في كتابه في غير موضع ، وما أقرب أحدهما من صاحبه ، وإن كان كل واحد منهما في محل سلطانه ومنبته ، والأرض التي توافقه أفضل وأنفع .

التالي السابق


الخدمات العلمية