الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم " ثم بين عن الآية ما هي ، فقال : " أني أخلق لكم " .

فتأويل الكلام : ورسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم ، بأن أخلق لكم من الطين كهيئة الطير . [ ص: 425 ]

" والطير " جمع " طائر " .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه بعض أهل الحجاز : ( كهيئة الطائر فأنفخ فيه فيكون طائرا ) ، على التوحيد .

وقرأه آخرون : ( كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ) ، على الجماع فيهما .

قال أبو جعفر : وأعجب القراءات إلي في ذلك قراءة من قرأ : " كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ، على الجماع فيهما جميعا ، لأن ذلك كان من صفة عيسى أنه يفعل ذلك بإذن الله ، وأنه موافق لخط المصحف . واتباع خط المصحف مع صحة المعنى واستفاضة القراءة به ، أعجب إلي من خلاف المصحف .

وكان خلق عيسى ما كان يخلق من الطير ، كما : -

7086 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق : أن عيسى صلوات الله عليه جلس يوما مع غلمان من الكتاب ، فأخذ طينا ، ثم قال : أجعل لكم من هذا الطين طائرا ؟ قالوا : وتستطيع ذلك ! قال : نعم ! بإذن ربي . ثم هيأه ، حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ، ثم قال : " كن طائرا بإذن الله " فخرج يطير بين كفيه . فخرج الغلمان بذلك من أمره ، فذكروه لمعلمهم ، [ ص: 426 ] فأفشوه في الناس . وترعرع ، فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت أمه عليه حملته على حمير لها ، ثم خرجت به هاربة .

وذكر أنه لما أراد أن يخلق الطير من الطين سألهم : أي الطير أشد خلقا ؟ فقيل له : الخفاش ، كما : -

7087 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قوله : " أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " قال : أي الطير أشد خلقا ؟ قالوا : الخفاش ، إنما هو لحم . قال ففعل .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : " فأنفخ فيه " وقد قيل : " أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " ؟

قيل : لأن معنى الكلام : فأنفخ في الطير . ولو كان ذلك : " فأنفخ فيها " . كان صحيحا جائزا ، كما قال في المائدة ، ( فتنفخ فيها ) [ سورة المائدة : 110 ] : يريد : فتنفخ في الهيئة . وقد ذكر أن ذلك في إحدى القراءتين : " فأنفخها " بغير " في " . وقد تفعل العرب مثل ذلك فتقول : " رب ليلة قد بتها ، وبت فيها " قال الشاعر : [ ص: 427 ]


ما شق جيب ولا قامتك نائحة ولا بكتك جياد عند أسلاب



بمعنى : ولا قامت عليك ، وكما قال الآخر :


إحدى بني عيذ الله استمر بها     حلو العصارة حتى ينفخ الصور



التالي السابق


الخدمات العلمية