الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 438 ] القول في تأويل قوله ( ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وبأني قد جئتكم بآية من ربكم ، وجئتكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ولذلك نصب " مصدقا " على الحال من " جئتكم " .

والذي يدل على أنه نصب على قوله : " وجئتكم " دون العطف على قوله : " وجيها " قوله : " لما بين يدي من التوراة " . ولو كان عطفا على قوله " وجيها " لكان الكلام : ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وليحل لكم بعض الذي حرم عليكم .

وإنما قيل : " ومصدقا لما بين يدي من التوراة " لأن عيسى صلوات الله عليه ، كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها ، وأنها من عند الله . وكذلك الأنبياء كلهم ، يصدقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله ، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم ، لمخالفة الله بينهم في ذلك . مع أن عيسى كان - فيما بلغنا - عاملا بالتوراة لم يخالف شيئا من أحكامها ، إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل ، مما كان مشددا عليهم فيها ، كما : -

7111 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الكريم قال : حدثني عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن عيسى كان على شريعة موسى - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يسبت ، ويستقبل بيت المقدس ، فقال لبني إسرائيل : إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة ، إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، وأضع عنكم من الآصار . [ ص: 439 ]

7112 - حدثني بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى ، وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب ، وأشياء من الطير والحيتان .

7113 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " قال : كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى . قال : وكان حرم عليهم فيما جاء به موسى من التوراة ، لحوم الإبل والثروب ، فأحلها لهم على لسان عيسى - وحرمت عليهم الشحوم ، وأحلت لهم فيما جاء به عيسى - وفي أشياء من السمك ، وفي أشياء من الطير مما لا صيصية له ، وفي أشياء حرمها عليهم ، وشددها عليهم ، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل ، فكان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى صلوات الله عليه .

7114 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " قال : لحوم الإبل والشحوم . لما بعث عيسى أحلها لهم ، وبعث إلى اليهود فاختلفوا وتفرقوا .

7115 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن [ ص: 440 ] جعفر بن الزبير : " ومصدقا لما بين يدي من التوراة " أي : لما سبقني منها - " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " أي : أخبركم أنه كان حراما عليكم فتركتموه ، ثم أحله لكم تخفيفا عنكم ، فتصيبون يسره ، وتخرجون من تباعته .

7116 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : " ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم " قال : كان حرم عليهم أشياء ، فجاءهم عيسى ليحل لهم الذي حرم عليهم ، يبتغي بذلك شكرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية