الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 283 ] 17 - باب ما ذكر في ائتمام المأموم بإمامه إذا صلى جالسا

حديث أنس - حديث عائشة - من ذهب إلى الصلاة قعودا كالإمام - من خالفهم - أكثر أهل العلم رأى الصلاة قياما - نسخ ذلك - رأي الشافعي

قرأت على محمد بن علي بن أحمد القاضي ، أخبرك أبو طاهر أحمد بن الحسن في كتابه ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أخبرنا دعلج ، أخبرنا محمد بن علي ، حدثنا سعيد ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع أنس بن مالك يقول :

سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فرس ، فجحش شقه الأيمن ، فدخلنا عليه [ ص: 284 ] نعوده ، فحضرت الصلاة ، فصلى بنا قاعدا ، فصلينا وراءه قعودا ، فلما قضى الصلاة قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به ؛ فإذا كبر فكبروا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا ، أجمعون .

أخرجاه في الصحيح ؛ من حديث مالك عن الزهري .

أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي ، أخبرنا مكي بن منصور ، [ ص: 285 ] أخبرنا أحمد بن الحسن ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاكي فصلى جالسا ، وصلى وراءه قوم قياما ، وأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به ؛ فإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا .

هذا حديث صحيح ، أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك ، وأخرجه مسلم من حديث هشام بن عروة ، وفي الباب عن أبي هريرة ، وابن عمر ، وجابر ، ومعاوية .

وقد اختلف أهل العلم في الإمام يصلي بالناس جالسا من مرض ، فقالت طائفة : يصلون قعودا اقتداء به ، وذهبوا إلى هذه الأحاديث ، ورأوها محكمة ، وممن فعل ذلك : جابر بن عبد الله ، وأبو هريرة ، وأسيد بن حصين ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وطائفة من أهل الحديث .

وقال أحمد : كذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله أربعة من أصحابه ، والرابع هو في خبر قيس بن فهد أن إمامهم شكا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس .

وقالت طائفة : لا يؤم القاعد القائمين ، وإن فعلوا لم يجزهم ، وبه قال مالك ، ومحمد بن الحسن .

[ ص: 286 ] وقال الثوري : تصح صلاة الإمام ، ولا تصح صلاة المأمومين إذا صلوا خلفه جلوسا .

قال أكثر أهل العلم : يصلون قياما ، ولا يتابعون الإمام في الجلوس ، ورأوا أن هذه الأحاديث منسوخة ، وممن ذهب إلى ذلك من العلماء : عبد الله بن المبارك ، والشافعي وأصحابه ، وقد حكينا نحو هذا عن الثوري .

التالي السابق


الخدمات العلمية