الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 476 ] القول في تأويل قوله ( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ( 63 ) ( 62 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن هذا الذي أنبأتك به ، يا محمد ، من أمر عيسى فقصصته عليك من أنبائه ، وأنه عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم وروح مني ، لهو القصص والنبأ الحق ، فاعلم ذلك . واعلم أنه ليس للخلق معبود يستوجب عليهم العبادة بملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده ، وهو الله العزيز الحكيم .

ويعني بقوله : " العزيز " العزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ، وادعى معه إلها غيره ، أو عبد ربا سواه " الحكيم " في تدبيره ، لا يدخل ما دبره وهن ، ولا يلحقه خلل .

" فإن تولوا " يعني : فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك في عيسى ، عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما آتاك الله من الهدى والبيان ، [ ص: 477 ] فأعرضوا عنه ولم يقبلوه

" فإن الله عليم بالمفسدين " يقول : فإن الله ذو علم بالذين يعصون ربهم ، ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه ، وذلك هو إفسادهم . يقول تعالى ذكره : فهو عالم بهم وبأعمالهم ، يحصيها عليهم ويحفظها ، حتى يجازيهم عليها جزاءهم .

وبنحو ما قلنا قي ذلك قال أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

7176 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إن هذا لهو القصص الحق " أي : إن هذا الذي جئت به من الخبر عن عيسى ، " لهو القصص الحق " من أمره .

7177 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " إن هذا لهو القصص " إن هذا الذي قلنا في عيسى " لهو القصص الحق " .

7178 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إن هذا لهو القصص الحق " قال : إن هذا القصص الحق في عيسى ، ما ينبغي لعيسى أن يتعدى هذا ولا يجاوزه : أن يتعدى أن يكون كلمة الله ألقاها إلى مريم ، وروحا منه ، وعبد الله ورسوله .

7179 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إن هذا لهو القصص الحق " إن هذا الذي قلنا في [ ص: 478 ] عيسى ، هو الحق " وما من إله إلا الله " الآية .

فلما فصل - جل ثناؤه - بين نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين الوفد من نصارى نجران ، بالقضاء الفاصل والحكم العادل ، أمره إن هم تولوا عما دعاهم إليه من الإقرار بوحدانية الله ، وأنه لا ولد له ولا صاحبة ، وأن عيسى عبده ورسوله ، وأبوا إلا الجدل والخصومة أن يدعوهم إلى الملاعنة . ففعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، انخزلوا فامتنعوا من الملاعنة ، ودعوا إلى المصالحة ، كالذي : -

7180 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عامر قال : فأمر - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - بملاعنتهم - يعني : بملاعنة أهل نجران - بقوله : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية . فتواعدوا أن يلاعنوه وواعدوه الغد . فانطلقوا إلى السيد والعاقب ، وكانا أعقلهم ، فتابعاهم . فانطلقوا إلى رجل منهم عاقل ، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما صنعتم ! ! وندمهم ، وقال لهم : إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يغضبه الله فيكم أبدا ، ولئن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدا . قالوا : فكيف لنا وقد واعدنا ! فقال لهم : إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الذي فارقتموه عليه ، فقولوا : " نعوذ بالله " ! فإن دعاكم أيضا فقولوا له : " نعوذ بالله " ! ولعله أن يعفيكم من ذلك . فلما غدوا غدا النبي - صلى الله عليه وسلم - محتضنا حسنا آخذا بيد الحسين ، وفاطمة تمشي خلفه . فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس ، [ ص: 479 ] فقالوا : " نعوذ بالله " ! ثم دعاهم فقالوا : " نعوذ بالله " ! مرارا قال : فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين كما قال الله - عز وجل - ، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون كما قال الله - عز وجل - . قالوا : ما نملك إلا أنفسنا ! قال : فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء كما قال الله - عز وجل - . قالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ، ولكن نؤدي الجزية . قال : فجعل عليهم في كل سنة ألفي حلة ، ألفا في رجب ، وألفا في صفر . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران ، حتى الطير على الشجر أو : العصافير على الشجر لو تموا على الملاعنة .

حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير قال : فقلت للمغيرة : إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن عليا كان معهم ! فقال : أما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي ، أو لم يكن في الحديث !

7181 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إن هذا لهو القصص الحق " إلى قوله : " فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " فدعاهم إلى النصف ، وقطع عنهم الحجة . فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من الله عنه ، والفصل من القضاء بينه وبينهم ، وأمره بما أمره به من ملاعنتهم ، إن ردوا عليه دعاهم إلى ذلك ، فقالوا : يا أبا القاسم ، دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه . فانصرفوا عنه ، ثم خلوا بالعاقب ، وكان ذا رأيهم ، فقالوا : يا عبد المسيح ، ما ترى ؟ قال : [ ص: 480 ] والله يا معشر النصارى ، لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل ، ثم انصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه . فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ، ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا ، فإنكم عندنا رضى .

7182 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي في قوله : " تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " الآية ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وفاطمة والحسن والحسين . [ ص: 481 ]

7183 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية ، فأخذ - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعلي : اتبعنا . فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى ، وقالوا : إنا نخاف أن يكون هذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس دعوة النبي كغيرها ! ! فتخلفوا عنه يومئذ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو خرجوا لاحترقوا ! فصالحوه على صلح : على أن له عليهم ثمانين ألفا ، فما عجزت الدراهم ففي العروض : الحلة بأربعين وعلى أن له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا ، وثلاثا وثلاثين بعيرا ، وأربعة وثلاثين فرسا غازية كل سنة ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضامن لها حتى نؤديها إليهم .

7184 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا وفدا من وفد نجران من النصارى ، وهم الذين حاجوه ، في عيسى ، فنكصوا عن ذلك وخافوا وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : والذي نفس محمد بيده ، إن كان العذاب لقد تدلى على أهل نجران ، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض .

7185 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " قال : بلغنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليداعي أهل نجران ، فلما رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران ، أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : اتبعينا . فلما رأى ذلك أعداء الله ، رجعوا . [ ص: 482 ]

7186 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لو خرج الذين يباهلون النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا .

7187 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زكريا ، عن عدي قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .

7188 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلا أهلك الله الكاذبين .

7189 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا ابن زيد قال : قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت " أبناءنا وأبناءكم " ؟ قال : حسن وحسين .

7190 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا المنذر بن ثعلبة قال : حدثنا علباء بن أحمر اليشكري قال : لما نزلت هذه الآية : " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم " الآية ، أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم ، فقال شاب من اليهود ، ويحكم ! أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير ؟ ! لا تلاعنوا ! فانتهوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية