الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ( 67 ) )

قال أبو جعفر : وهذا تكذيب من الله - عز وجل - دعوى الذين جادلوا في إبراهيم وملته من اليهود والنصارى ، وادعوا أنه كان على ملتهم وتبرئة لهم منه ، وأنهم لدينه مخالفون وقضاء منه - عز وجل - لأهل الإسلام ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم هم أهل دينه ، وعلى منهاجه وشرائعه ، دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم . [ ص: 494 ]

يقول الله - عز وجل - : ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولا كان من المشركين ، الذين يعبدون الأصنام والأوثان أو مخلوقا دون خالقه الذي هو إله الخلق وبارئهم " ولكن كان حنيفا " يعني : متبعا أمر الله وطاعته ، مستقيما على محجة الهدى التي أمر بلزومها " مسلما " يعني : خاشعا لله بقلبه ، متذللا له بجوارحه ، مذعنا لما فرض عليه وألزمه من أحكامه .

وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى " الحنيف " فيما مضى ، ودللنا على القول الذي هو أولى بالصحة من أقوالهم ، بما أغنى عن إعادته .

وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7211 - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، قال : قالت اليهود : إبراهيم على ديننا . وقالت النصارى : هو على ديننا . فأنزل الله - عز وجل - ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا " الآية ، فأكذبهم الله ، وأدحض حجتهم - يعني : اليهود الذين ادعوا أن إبراهيم مات يهوديا .

7212 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . [ ص: 495 ]

7213 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله - لا أراه إلا يحدثه عن أبيه - : أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ، ويتبعه ، فلقي عالما من اليهود ، فسأله عن دينه ، وقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني عن دينكم . فقال له اليهودي : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع . فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ! قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يك يهوديا ولا نصرانيا ، وكان لا يعبد إلا الله . فخرج من عنده فلقي عالما من النصارى ، فسأله عن دينه فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني عن دينكم . قال : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله . قال : لا أحتمل من لعنة الله شيئا ، ولا من غضب الله شيئا أبدا ، وأنا أستطيع ، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ فقال له نحوا مما قاله اليهودي : لا أعلمه إلا أن يكون حنيفا . فخرج من عنده ، وقد رضي الذي أخبراه والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم ، فلم يزل رافعا يديه إلى الله وقال : اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم . [ ص: 496 ]

أخبرنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان قال : حدثنا محمد بن جرير الطبري :

التالي السابق


الخدمات العلمية