الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( كتاب الصيال ) هو الاستطالة والوثوب على الغير

                                                                                                                              ( وضمان الولاة ) ، ومن متعلقهم ذكر الختان وضمان الدابة ؛ إذ الولي يختن ومن مع الدابة ولي عليها ، والأصل فيه قوله تعالى { : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وذكر اعتدوا للمقابلة وإشارة إلى أفضلية الاستسلام الآتية ، والمثلية من حيث الجنس دون الأفراد ؛ لما يأتي وللخبر الصحيح { : انصر أخاك ظالما أو مظلوما } ، وفسر نصر الظالم بكفه عن ظلمه ولو بدفعه عنه . ( وله ) أي الشخص المعصوم وكذا غيره بالنسبة للدفع عن غير المعصوم فيما يظهر ، وكذا عن نفسه إن كان الصائل غير معصوم أيضا فيما يظهر أيضا أخذا مما مر أوائل الجراح : أن غير المعصوم معصوم على مثله ، ( دفع كل صائل ) مكلف وغيره عند غلبة ظن صياله ( على ) معصوم له أو لغيره من ( نفس أو طرف ) أو منفعة ( أو بضع ) أو نحو قبلة محرمة [ ص: 182 ] .

                                                                                                                              ( أو مال ) وإن لم يتمول على ما اقتضاه إطلاقهم كحبة بر ، ويؤيده أن الاختصاص هنا كالمال مع قولهم : قليل المال خير من كثير الاختصاص ، ويحتمل تقييد نحو الضرب بالمتمول على أنه استشكل عدم تقدير المال هنا مع أداء الدفع إلى القتل بتقديره في القطع بالسرقة وقطع الطريق مع أنه قد لا يؤدي إليه ، وجوابه أن ذينك قدر حدهما فقدر مقابله ، وهذا لم يقدر حده فلم يقدر مقابله ، وكان حكمة عدم التقدير هنا أنه لا ضابط للصيال بخلاف ذينك ، وذلك لما في الحديث الصحيح أن من قتل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد ، ويلزم منه أن له القتل والقتال وإذا صيل على الكل قدم النفس أي : وما يسري إليها كالجرح فالبضع فالمال الخطير فالحقير إلا أن يكون لذي الخطير غيره أو على صبي بلواط وامرأة بزنا ، قيل : يقدم الأول إذ لا يتصور إباحته ، وقيل : الثاني للإجماع على وجوب الحد فيه ، وهذا هو الذي يميل إليه كلامهم ، ولو قيل : إن كانت المرأة في مظنة الحمل قدم الدفع عنها ؛ لأن خشية اختلاط الأنساب أغلظ في نظر الشارع من غيرها وإلا قدم الدفع عنه لم يبعد . ( فإن قتله ) بالدفع على التدريج الآتي ( فلا ضمان ) بشيء وإن كان صائلا على نحو مال الغير خلافا لأبي حامد ؛ لأنه مأمور بدفعه ، وذلك لا يجامع الضمان أي : غالبا لما يأتي في الجرة ، نعم يحرم دفع المضطر لماء أو طعام ويلزم صاحب المال تمكينه والمكره على إتلاف مال الغير ، بل يلزم مالكه أن يقي روحه [ ص: 183 ] أي : مثلا بماله وتوقف الأذرعي في مال الغير إذا كان حيوانا ، ويجاب بأن حرمة الآدمي أعظم منه ، وحق الغير ثابت في البدل في الذمة ، نعم لو قيل : إن عد المكره به حقيرا محتملا عرفا في جنب قتل الحيوان لم يجز قتله حينئذ لم يبعد

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب الصيال )

                                                                                                                              ( قوله : وإشارة ) وجه الإشارة أن في تسميته اعتداء إشارة إلى أنه ينبغي تركه ، وتركه استسلام . ( قوله : له أي : الشخص ) هل يشترط للجواز ما يشترط للوجوب الآتي بقوله : إن لم يخف إلخ ؟ وينبغي عدم الاشتراط حيث جاز الاستسلام للصائل . ( قوله : إن كان الصائل غير معصوم ) هلا قال : وكذا إن كان معصوما إذا كان الصيال بما لا يسوغ ، كأن صال على حربي ليسلخ جلده أو ليقطعه قطعا .

                                                                                                                              ( قوله : أو منفعة ) قد يقال : الصيال على الطرف [ ص: 182 ] شامل لإتلافه نفسه ولإتلاف منفعته ، فلا حاجة إلى زيادة أو منفعة وجعله خارجا عن المتن زائدا عليه فليتأمل سم . ( قوله : أو مال إن لم يتمول إلخ ) قال في شرح المنهج : ومال وإن قل واختصاص كجلد ميتة . ا هـ . أقول : ووظيفة بيده بوجه صحيح فله دفع من يسعى على أخذها منه بغير وجه صحيح وإن أدى إلى قتله كما هو قياس الباب ، ثم بلغني أن الشهاب ابن حجر أفتى بذلك فليراجع . ( قوله : بخلاف ذينك ) فيه نظر ، إن أراد أن السرقة وقطع الطريق لا يكونان إلا على الوجه المخصوص فهو ممنوع أو أن أحدهما لا يثبت إلا لما كان على الوجه المخصوص فهذا هو المسئول عنه بأنه لم يقيد الحكم بالوجه المخصوص فيما دون الصيال . ( قوله : وإذا صيل على الكل ) لم يمكن الدفع عن الكل دفعة . ( قوله : وهذا هو الذي يميل إليه كلامهم ) كتب عليه م ر . ( قوله : [ ص: 183 ] أي : مثلا ) يشمل جرحا أو ضربا يسيرا لا يشق احتماله مشقة عظيمة ومالا قليلا وفي لزوم رواية ذلك إن كان المكره على قتله حيوانا خطيرا نظر ظاهر ، وهذا ما أشار إليه في قوله : الآتي نعم إلخ ففي إطلاق زيادته قوله : أي : مثلا ثم الاستدراك عليها ما فيه



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( كتاب الصيال )

                                                                                                                              ( قوله : هو الاستطالة ) إلى قوله : كحبة بر في النهاية إلا قوله : ولو بدفعه عنه وقوله : المعصوم وكذا إلى المتن . ( قوله : هو ) أي : لغة ، وقوله : والوثوب أي : الهجوم عطف تفسير ، وقوله : ومن متعلقهم أي : الولاة ا هـ . ع ش . ( قوله : وضمان الدابة ) عطف على الختان ، عبارة المغني وإتلاف البهائم ا هـ . ( قوله : إذ الولي يختن ) أي : موليه . ( قوله : للمقابلة ) أي : المشاكلة نهاية . ( قوله : وإشارة إلخ ) وجه الإشارة أن في تسميته اعتداء إشارة إلى أنه ينبغي تركه ، وتركه استسلام سم على حج ع ش ورشيدي . ( قوله : الآتية ) أي : في شرح لا مسلم في الأظهر . ( قوله : لما يأتي ) أن الصائل يدفع بالأخف فالأخف أي : ولو كان صائلا على نفس . ( قوله : وللخبر الصحيح إلخ ) كان ينبغي حذف الجار كما فعله غيره ليظهر عطفه على قوله تعالى إلخ . ( قوله : ولو بدفعه عنه ) أي : دفع الظالم عن ظلمه وانظر ما فائدة هذه الغاية . ( قوله : وكذا عن نفسه إلخ ) هلا قال : وكذا إن صال على حربي ليسلخ جلده أو ليقطعه قطعا ا هـ . سم . ( قول المتن : له دفع إلخ ) هل يشترط للجواز ما يشترط للوجوب الآتي بقوله إن لم يخف إلخ ؟ أقول قضية صنيعهم في شرح كهو عن نفسه عدم الاشتراط مطلقا كما سننبه عليه هناك وينبغي عدم الاشتراط حيث جاز الاستسلام للصائل سم على حج ا هـ . ع ش . ( قوله : مكلف وغيره ) ، عبارة المغني مسلما كان أو كافرا عاقلا أو مجنونا بالغا أو صغيرا قريبا أو أجنبيا آدميا أو غيره ا هـ . ( قوله : عند غلبة ظن صياله ) أي : فلا يشترط لجواز الدفع تلبس الصائل بصياله حقيقة ولا يكفي لجواز دفعه توهمه ولا الشك فيه أو ظنه ظنا ضعيفا على ما أفهمه قوله : غلبة ظنه ؛ لأن معناها الظن القوي ا هـ . ع ش . ( قوله : أو منفعة ) إلى قول المتن أو مال في المغني .

                                                                                                                              ( قوله : أو منفعة ) قد يقال : الصائل على الطرف شامل لإتلافه نفسه ولإتلاف منفعته فلا حاجة إلى زيادة أو منفعة وجعله خارجا عن المتن زائدا عليه فليتأمل ا هـ . سم . ( قول المتن : أو مال ) ويستثنى من جواز الدفع عن المال ما لو صال مكرها على إتلاف مال غيره لم يجز دفعه بل يلزم المالك أن يقي روحه بماله كما يتناول المضطر طعامه ، ولكل منهما دفع المكره وله دفع مسلم عن ذمي ووالد عن ولده وسيد عن عبده ؛ لأنهم [ ص: 182 ] معصومون مغني وروض مع شرحه ، وقوله : ما ويستثنى إلى قولهما بل يلزم يأتي في الشارح مثله . ( قوله : وإن لم يتمول ) قال في شرح المنهج : ومال وإن قل واختصاص كجلد ميتة ا هـ . أقول ووظيفة بيده بوجه صحيح فله دفع من يسعى على أخذها منه بغير وجه صحيح ، وإن أدى إلى قتله كما هو قياس الباب ثم بلغني أن الشهاب حج أفتى بذلك فليراجع سم على حج ا هـ . ع ش . ( قوله : ويؤيده ) أي : العموم المذكور بالغاية . ( قوله : أن الاختصاص ) كالكلب المقتنى والسرجين مغني . ( قوله : كالمال ) يفيد جواز دفع الصائل على جلود الميتة والسرجين ولو بقتله ا هـ . بجيرمي عن سم على المنهج . ( قوله : نحو الضرب ) أي : جواز الدفع به ، وقوله : بالمتمول أي : بكون الصيال على المتمول . ( قوله : على أنه ) لا يظهر له موقع هنا فالأسبك الأخصر واستشكل إلخ . ( قوله : بتقديره إلخ ) متعلق باستشكل مع أنه إلخ أي : كلا من القطعين . ( قوله : إليه ) أي : القتل . ( قوله : وجوابه إلخ ) وأجيب أيضا بأن قطع الطرف محقق فاعتبر فيه ذلك بخلاف هلاك النفس ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بخلاف ذينك ) استشكله سم . ( قوله : وذلك ) إلى قوله : إلا أن يكون في المغني وإلى قوله : ولو قيل في النهاية . ( قوله : وذلك إلخ ) راجع إلى المتن .

                                                                                                                              ( قوله : دون دمه إلخ ) أي : في المنع عن الوصول إلى دمه إلخ ا هـ . ع ش . ( قوله : ويلزم منه إلخ ) وجه اللزوم أنه لما جعله شهيدا دل على أن له القتل والقتال كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدا كان له القتل والقتال مغني وزيادي . ( قوله : وإذا صيل على الكل ) أي : ولم يمكن الدفع عن الكل . ا هـ . سم عبارة المغني ولو صال قوم على النفس والبضع والمال قدم الدفع على النفس على الدفع عن البضع والمال والدفع عن البضع على المال والمال الكثير على القليل ، ولو صال اثنان على متساويين من نفسين أو بضعين أو مالين ولم يتيسر دفعهما معا دفع أيهما شاء ا هـ . ( قوله : قدم النفس ) أي : وجوبا ا هـ . ع ش . ( قوله : قدم النفس ) أي : نفس غيره أو نفسه حيث لم يندب الاستسلام كما هو ظاهر ا هـ . رشيدي . ( قوله : قيل يقدم ) إلى المتن ، عبارة النهاية قدم الدفع أي : وجوبا عنها أي : المرأة كما هو أوجه احتمالين واقتضاه كلامهم ؛ لأن حد الزنا مجمع عليه ولما يخشى من اختلاط الأنساب أي : ولذلك كان الزنا أشد حرمة من اللواط ا هـ . بزيادة من ع ش . ( قوله : وهذا هو الذي إلخ ) اعتمده النهاية كما مر آنفا لا المغني عبارته وقال بعضهم : يبدأ بأيهما شاء وهو أوجه لعدم الأولوية ا هـ . ( قوله : بالدفع ) إلى قوله : وقيدت في النهاية إلا قوله : وتوقف الأذرعي إلى المتن وكذا في المغني إلا قوله أي : غالبا إلى نعم ، وقوله : من حيث كونه إلى نعم . ( قوله : بشيء ) أي : لا بقصاص ولا دية ولا كفارة نهاية زاد المغني ولا قيمة ولا إثم حتى لو صال العبد المغصوب أو المستعار على مالكه فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب ولا المستعير .

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              دخل في كلامهم ما لو صالت حامل على إنسان فدفعها فألقت جنينها ميتا ، فالأصح لا يضمنه ا هـ . وقوله : تنبيه إلخ في ع ش عن سم على المنهج عن م ر مثله . ( قوله : ؛ لأنه إلخ ) علة لكلام المتن ا هـ . ع ش . ( قوله : وذلك ) أي : الأمر بالدفع . ( قوله : نعم يحرم دفع المضطر إلخ ) أي : ما لم يضطر له مالكه أيضا ويكفي في حرمة الدفع وجود علامة قوية على الإضرار ا هـ . ع ش . ( قوله : ويلزم صاحب المال إلخ ) فإذا قتله دفعا فعليه القود ا هـ . مغني . ( قوله : تمكينه ) أي : بعوض حيث كان غنيا ا هـ . ع ش . ( قوله : والمكره ) بفتح الراء معطوف على المضطر . ( قوله : بل يلزم مالكه إلخ ) وكل من المكره والمكره طريق في الضمان وقراره على [ ص: 183 ] المكره بالكسر ا هـ . ع ش . ( قوله : أي : مثلا ) يشمل جرحا أو ضربا يسيرا لا يشق احتماله مشقة عظيمة ومالا قليلا وفي لزوم وقاية ذلك إذا كان المكره على قتله حيوانا خطيرا نظر ظاهر ، وهذا ما أشار إليه في قوله الآتي نعم إلخ ا هـ . سم . ( قوله : في مال الغير إلخ ) أي : في الإكراه عليه . ( قوله : في الذمة ) أي : ذمة المكره . ( قوله : حقيرا إلخ ) أي : كضرب أو مال يسير . ( قوله : لم يجز قتله إلخ ) استظهره سم كما مر آنفا




                                                                                                                              الخدمات العلمية