الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من المعلوم أن ما كانوا ألفوه واتخذوه دينا يستعظمون تركه ؛ لأن الشيطان يوسوس لهم بأنه توسع [الدنيا ، والتوسع] [ ص: 389 ] فيها مما ينبغي الزهد فيه كما دعا إليه كثير من الآيات - أكد سبحانه الإذن في ذلك بالإنكار على من حرمه ، فقال منكرا عليهم إعلاما بأن الزهد الممدوح ما كان مع صحة الاعتقاد في الحلال والحرام ، وأما ما كان مع تبديل شيء من الدين بتحليل حرام أو عكسه فهو مذموم : قل منكرا موبخا من حرم زينة الله أي : الملك الذي لا أمر لأحد معه التي أخرج لعباده أي : ليتمتعوا بها من الثياب والمعادن وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر الملابس التي هي شرط في صحة العبادة على وجه عم غيرها من المراكب وغيرها ، أتبعها المآكل والمشارب ، فقال : والطيبات أي : من الحلال المستلذ من الرزق كالبحائر والسوائب ونحوها. ولما كان معنى الإنكار : لم يحرمها من يعتبر تحريمه بل أحلها ، وكان ربما غلا في الدين غال تمسكا بالآيات المنفرة عن الدنيا المهونة لشأنها مطلقا فضلا عن زينة وطيبات الرزق ، قال مستأنفا لجواب من يقول : لمن؟ : قل هي أي : الزينة والطيبات للذين آمنوا وعبر بهذه العبارة ولم يقل : ولغيرهم ، تنبيها على أنها لهم بالأصالة في الحياة الدنيا وأما الكفار فهم تابعون لهم في التمتع بها وإن كانت لهم أكثر ، فهي غير خالصة لهم وهي للذين آمنوا خالصة أي : لا يشاركهم فيها أحد ، هذا على قراءة نافع بالرفع ، والتقدير على قراءة غيره : حال كونها خالصة يوم القيامة وفي هذا تأكيد لما مضى من إحلالها بعد تأكيد ومحو الشكوك ، وداعية للتأمل في الفصل بين المقامين لبيان أن الزهد المأمور به [ ص: 390 ] إنما هو بالقلب بمعنى أنه لا يكون للدنيا عنده قدر ولا له إليها التفات ولا هي أكبر همه ، وأما كونها ينتفع بها فيما أذن الله فيه وهي محقورة غير مهتم بها فذلك من المحاسن .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا المعنى من دقائق المعاني ونفائس المباني أتبعه - تعالى - قوله جوابا لمن يقول : إن هذا التفصيل فائق ، فهل يفصل غيره هكذا؟ كذلك أي : مثل هذا التفصيل البديع نفصل الآيات أي : نبين أحكامها ونميز بعض المشتبهات من بعض لقوم يعلمون أي : لهم ملكة وقابلية للعلم ليتوصلوا به إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية