الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( القاعدة الثالثة والعشرون ) : من حرم عليه الامتناع من بدل شيء سئله فامتنع فهل يسقط إذنه بالكلية أو يعتبر ويجبره الحاكم عليه هذا نوعان :

( أحدهما ) : أن يكون المطلوب منه إذنا مجردا ويندرج تحته صور : ( منها ) وضع الخشب على جدار جاره إذا لم يضر به وقد نص أحمد على عدم اعتبار إذنه في ذلك وفي التلخيص أنه يجبر عليه إن أباه .

( ومنها ) حج الزوجة الفرض ونص أحمد في رواية صالح على أنها لا تحج إلا بإذنه وأنه ليس له منعها فعلى هذا يجبر على الإذن لها ونقل ابن أبي موسى عن أحمد أن استئذانها له مستحب ليس بواجب .

( ومنها ) إذا قلنا بوجوب الجمعة على العبد فهل يتوقف على إذن السيد ؟ حكى الأصحاب فيه روايتين :

إحداهما لا تجب على العبد حتى يأذن له السيد .

والثانية تجب بدون إذنه ويستحب له استئذانه فإن أذن له وإلا خالفه وذهب .

( ومنها ) أخذ فاضل الكلأ والماء من أرضه هل يقف جواز الدخول إلى الأرض على إذنه أم يجوز بدون إذنه ؟ على وجهين ونص أحمد على جواز الرعي في الأرض المغصوبة يدل على عدم اعتبار الإذن في ذلك ومن الأصحاب من قال الخلاف في غير المحوط [ فأما المحوط ] فلا يجوز دخوله بغير إذن بغير خلاف . قال ومتى تعذر الاستئذان لغيبة المالك أو غيرها أو استأذن فلم يأذن سقط إذنه كما في الولي في النكاح ونقل مثنى الأنباري عن أحمد ما يشعر بالفرق بين الدخول للماء والكلأ فيتعين الاستئذان للدخول للكلأ دون الماء .

( ومنها ) بذل الضيافة الواجبة إذا امتنع منها جاز الأخذ من ماله ولا يعتبر إذنه في أصح الروايتين نقلها علي بن سعيد عن أحمد ونقل عنه حنبل لا يأخذ إلا بعلمهم ويطالبهم [ ص: 32 ] بقدر حقه .

( ومنها ) نفقة الزوجة الواجبة .

( ومنها ) الطعام الذي يضطر إليه غيره فإنه يلزمه بذله له بقيمته فإن أبى فللمضطر أخذه قهرا وإنما سقط اعتبار الإذن في هذه الصور لأن اعتباره يؤدي إلى مشقة وحرج وربما أدى إلى فوات الحق بالكلية .

( النوع الثاني ) : أن يكون المطلوب منه تصرفا لعقد أو فسخ أو غيرهما ويندرج تحته صور : ( منها ) إذا طلب منه القسمة التي تلزمه الإجابة إليها والأصحاب يقولون يجبر على ذلك فإن كان المشترك مثليا وهو المكيل والموزون وامتنع أحد الشريكين من الإذن في القسمة أو غاب فهل يجوز للشريك الآخر أخذ قدر حقه منه بدون إذن الحاكم ؟ على وجهين

( أحدهما ) : الجواز وهو قول أبي الخطاب

( والثاني ) : المنع وهو قول القاضي لأن القسمة مختلف في كونها بيعا وإذن الحاكم يرفع النزاع .

( ومنها ) إذا امتنع من بيع الرهن فإن الحاكم يجبره عليه ويحبسه فإن أصر باع عليه ومن الأصحاب من يقول الحاكم مخير إن شاء أجبره على البيع وإن شاء باع عليه وهو المجزوم به في المغني .

( ومنها ) إذا امتنع من الإنفاق على بهائمه فإنه يجبر على الإنفاق أو البيع كذا أطلقه كثير من الأصحاب .

وقال ابن الزاغوني إن أبى باع الحاكم عليه .

( ومنها ) المولي إذا وقف ثم امتنع من الفيئة فإنه يؤمر بالطلاق فإن طلق فذاك وإلا ففيه روايتان :

( إحداهما ) يجبر على الطلاق بالحبس والتضييق

( والثانية ) : يطلق الحاكم عليه ( ومنها ) العنين إذا انقضت مدته وتحقق عجزه وأبى أن يفارق زوجته فرق الحاكم بينهما .

( ومنها ) إذا مثل بعبده قال أحمد في رواية الميموني يعتقه السلطان عليه وظاهر هذا أنه لا يعتق بمجرد التمثيل ولكن يعتقه السلطان عليه بغير اختيار لأن عتقه صار محتما لا محالة كما فعل عمر رضي الله عنه بخلاف طلاق المولي فإنه لو فاء لم يطالب بالطلاق ، ويحتمل أن يكون مراده أن السلطان يحكم عليه بوقوع العتق كما هو المعروف في المذهب وفيه بعد

( ومنها ) الموصى بعتقه إذا امتنع الوارث من إعتاقه أعتقه السلطان عليه ( ومنها ) إذا اشترى عبدا بشرط العتق وقلنا يصح على الصحيح فأبى أن يعتقه ففيه وجهان وقيل روايتان :

( إحداهما ) ونص عليها أحمد في رواية الأثرم أن للبائع الفسخ بناء على أنه حق له

( والثاني ) : أنه يجبر المشتري على عتقه بناء على أنه حق لله [ تعالى فعلى ] هذا إذا امتنع وأصر توجه أن يعتقه الحاكم عليه .

( ومنها ) الحوالة على المليء هل يعتبر لبراءة المحيل رضا المحال فإن أبى أجبره الحاكم عليه لأن احتياله على المليء واجب عندنا أو يبرأ بمجرد الحوالة فيه عن أحمد روايتان حكاهما القاضي في خلافه وطائفة من الأصحاب ومبناهما على أن الحوالة هل هي نقل [ ص: 33 ] للحق أو تقبيض فإن قلنا نقلا لم يعتبر لها قبول .

وإن كانت تقبيضا فلا بد من القبض بالقول وهو قولها فيجبر المحتال عليه .

( ومنها ) الولي في النكاح إذا امتنع من التزويج فهل يسقط حقه وينتقل إلى غيره ممن هو أبعد منه أو لا فيقوم الحاكم مقامه على روايتين .

( ومنها ) إذا أسلم على أكثر من أربعة وأبى أن يختار منهن أجبره الحاكم على الاختيار وعزره مرة بعد أخرى حتى يختار .

ولم يختر له إذ الاختيار موكول إلى شهوته وغرضه لا غير [ .

( ومنها ) الكتابة إذا أوجبناها بسؤال العبد فأبى السيد أجبره الحاكم عليها ] .

( ومنها ) إذا أتاه الغريم بدينه الذي يجب عليه قبضه فأبى أن يقبضه .

قال في المغني يقبضه الحاكم وتبرأ ذمة الغريم لقيام الحاكم مقام الممتنع بولايته .

ولو أتاه الكفيل بالغريم فأبى أن يتسلمه فقال في المغني يشهد على امتناعه ويبرأ لوجود الإحضار .

وذكر عن القاضي أنه يرفعه إلى الحاكم أولا ليسلمه إليه فإن تعذر أشهد على امتناعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية