الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ذلك إشارة إلى إتيان الرسل أو السؤال المفهوم من ألم يأتكم أو ما قص من أمرهم أعني شهادتهم على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره مقدر أو خبرهقوله سبحانه : أن لم يكن ربك مهلك القرى بحذف اللام على أن أن مصدرية أو مخففة من أن وضمير الشأن الذي هو اسمها وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذوفعلنا ونحو ذلك وجوز أن [ ص: 29 ] يكون ( أن لم ) .. إلخ . بدلا من اسم الإشارة وقوله تعالى : بظلم متعلق إما بمهلك أي بسبب ظلم أو بمحذوف وقع حالا من القرى أو متلبسة بظلم أو حالا من ربك أو من ضميره في مهلك والمراد مهلك أهل القرى إلا أنه تجوز في النسبة أو حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يأباه قوله تعالى : وأهلها غافلون (131) لأن أصله وهم غافلون فلما حذف المضاف أقيم مقام ضميره .

                                                                                                                                                                                                                                      واعترض شيخ الإسلام على جعل بظلم حالا من ربك أو من ضميره بأنه يأباه أن غفلة أهلها مأخوذة في معنى الظلم وحقيقته لا محالة فلا يحسن تقييده بالجملة بعد وأورد عليه أنه قد يتصور الظلم مع عدم الغفلة بأن يكون حال التيقظ ومقارنة الانقيادوإن كان المراد ها هنا هو الإهلاك حال الغفلة ففائدة التقييد تعيين المراد ولا يخفى حسنه ولا يخفى ما فيه واختار قدس سره من احتمالات المشار إليه وأوجهإعراب اسم الإشارة الثالث من كل قال : والمعنى ذلك ثابت لانتفاء كون ربك أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى بسبب أي ظلم فعلوه من أفراد الظلم قبل أن ينهوا عنه وينبهوا على بطلانه برسل وكتاب وإنقضى به بداهة العقول وينذروا عاقبة جناياتهم أي لولا انتفاء كونه تعالى معذبا لهم قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب لما أمكن التوبيخ بما ذكر ولما شهدوا على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب ولا اعتذروا بعدمإتيان الرسل إليهم كما في قوله سبحانه : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى وإنما علل ما ذكر بانتفاء التعذيب الدنيوي الذي هو إهلاك القرى قبل الإنذار مع أن التقريب في تعليله بانتفاء مطلق التعذيب من غير بعث الرسل أتم على ما نطق به قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا على ما اختاره أهل السنة في معناه لبيان كما نزاهته سبحانه على كلا التعذيبين من غيرإنذار على أبلغ وجه وآكده .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يخفى أن لما اختاره وجها وجيها خلا أن قوله فيما بعد : إن جعل ذلك إشارة إلى إرسال الرسل عليهم السلام وإنذارهم وخبر المبتدأ محذوفا كما أطبق عليه الجمهور بمعزل عن مقتضى المقام ممنوع وعلى سائر الاحتمالات الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم بطريق تلوين الخطاب والظاهر أن انتفاء الإهلاك قبل الإنذار لا يختص بالإنس بل الجن أيضا لا يهلكون قبلإنذارهم وإنلم يشع إطلاق أهل القرى عليهم وهذا مبني على محض فضل الله تعالى عندنا والمعتزلة يقولون : يجب على الله تعالى أن لا يعذب قبل الإنذار وقيام الحجة وبنوه على قاعدة الحسن والقبح العقليين وأئمتنا يثبتون ذلك لكنهم لا يجعلونه مناط الحكم كما زعم المعتزلة

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية