الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثالث والعشرون والمائتان بين قاعدة ما ينفذ من تصرفات الولاة والقضاة وبين قاعدة ما لا ينفذ من ذلك ، وهو خمسة أقسام )

( القسم الأول ) ما لم تتناوله الولاية بالأصالة اعلم أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة لقوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } ولقوله عليه السلام { من ولي من أمور أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم ، ولم ينصح فالجنة عليه حرام } فيكون الأئمة والولاة معزولين عما ليس فيه بذل الجهد ، والمرجوح أبدا ليس بالأحسن بل الأحسن ضده ، وليس الأخذ به بذلا للاجتهاد بل الأخذ بضده فقد حجر الله تعالى على الأوصياء التصرف فيما هو ليس بأحسن مع قلة الفائت من المصلحة في ولايتهم لخستها بالنسبة إلى الولاة والقضاة فأولى أن يحجر على الولاة والقضاة في ذلك ، ومقتضى هذه النصوص أن يكون الجميع معزولين عن المفسدة الراجحة والمصلحة المرجوحة والمساوية ، وما لا مفسدة فيه ، ولا مصلحة لأن هذه الأقسام الأربعة ليست من باب ما هو أحسن ، وتكون الولاية إنما تتناول جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة ، ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحة فأربعة معتبرة ، وأربعة ساقطة ، ولهذه القاعدة قال الشافعي رضي الله عنه لا يبيع الوصي صاعا بصاع لأنه لا فائدة في ذلك ، ولا يفعل الخليفة ذلك في أموال المسلمين ، ويجب عليه عزل الحاكم إذا ارتاب فيه دفعا لمفسدة الريبة عن المسلمين .

ويعزل المرجوح عند وجود الراجح تحصيلا لمزيد المصلحة للمسلمين ، واختلف في عزل أحد المساويين بالآخر فقيل يمتنع لأنه ليس أصلح للمسلمين ، ولأنه يؤذي المعزول بالعزل والتهم من الناس ، ولأن ترك الفساد أولى من تحصيل الصلاح للمتولى .

وأما الإنسان في نفسه فيجوز له ذلك فيما يختص به حصلت مصلحة أم لا فللإنسان أن يبيع صاعا بصاع ، وما يساوي ألفا بمائة فإن قلت تجويز ذلك يوجب أن يلتبس من يحجر عليه بمن لا يحجر عليه ، ويلتبس الرشيد بالسفيه لأن السفيه هو [ ص: 40 ] الذي يفعل ذلك قلت لا نسلم أنا نحجر على من يفوت المصلحة كيف كانت بل ضابط ما يحجر به أن كل تصرف خرج عن العادة ، ولم يستجلب به حمدا شرعيا ، وقد تكرر منه فإنه يحجر به ، والقيد الثاني احتراز من استجلاب حمد الشراب والمساخر ، والثالث احتراز عن رمي درهم في البحر فإنه لا يحجر عليه حتى يتكرر ذلك منه تكررا يدل على سفهه وعدم اكترائه بالمال إذا تقرر هذا القسم الذي لا ينفذ لعدم تناول الولاية له فيلحق به القضاء من القاضي بغير عمله فإنه لا تتناوله الولاية لأن صحة التصرف إنما يستفاد من عقد الولاية ، وعقد الولاية إنما يتناول منصبا معينا ، وبلدا معينا فكان معزولا عما عداه لا ينفذ فيه حكمه ، وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم .

وما علمت فيه خلافا ، وفي الجواهر إن شافه قاض قاضيا لم يكف في ثبوت ذلك الحكم لأن أحدهما بغير عمله فلا يؤثر إسماعه وسماعه إلا إذا كانا قاضيين ببلدة واحدة أو تجاذبا في ذلك في طرفي ولايتهما فيكون ذلك أقوى من الشهادة على كتاب القاضي فيعتمد ، وفي هذا القسم فروع في كتب الفقه .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثالث والعشرون والمائتان بين قاعدة ما ينفذ من تصرفات الولات والقضاة وبين قاعدة ما لا ينفذ من ذلك ) وهو أن ما نفذ من ذلك ، ولا ينقض هو ما اجتمع فيه خمسة أمور :

( الأول ) ما تتناوله الولاية بالأصالة مما دل قوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } وقوله عليه الصلاة والسلام { من ولي من أمر أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم ، ولم ينصح فالجنة عليه حرام } على أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بما هو أحسن أو ما فيه بذل الجهد ، وعلى أن قاعدة الولاية أنها إنما تتناول واحدا من أربعة أمور هي جلب المصلحة الخالصة [ ص: 79 ] أو الراجحة ، ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحة .

( والثاني ) الموافقة لدليل الحكم

( والثالث ) الموافقة لسببه وحجته ، وقد تقدم الفرق بين الأسباب والأدلة والحجاج ، وأن القضاة يعتمدون الحجاج ، والمجتهدين يعتمدون الأدلة ، وأن المكلفين يعتمدون الأسباب

( والرابع ) انتفاء التهمة فيه

( والخامس ) وقوعه على الأوضاع الشرعية كان مجمعا عليه أو مختلفا فيه ، وأما ما لا ينفذ من ذلك ، وينقض فهو ما انتفى فيه واحد من هذه الخمسة المذكورة فلذا انقسم خمسة أقسام : ( القسم الأول ) ما لا تتناوله الولاية بالأصالة ، وهو نوعان ( النوع الأول ) ما دلت النصوص المتقدمة على أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية يكون معزولا عنها إذا أجراه في ولايته ، وذلك كل ما ليس هو بأحسن ، وليس فيه بذل الجهد مما خرج عن قاعدة الولاية المذكورة ، وصار واحدا من الأربعة الساقطة التي هي المفسدة الراجحة ، والمصلحة المرجوحة والمساوية ، وما لا مصلحة فيه ، ولا مفسدة فمن هنا قال الشافعي رضي الله عنه لا يبيع الوصي صاعا بصاع لأنه لا فائدة في ذلك ، ولا يفعل الخليفة ذلك في أموال المسلمين ، ويجب عليه عزل الحاكم إذا ارتاب فيه دفعا لمفسدة الريبة عن المسلمين ، ويعزل المرجوح عند وجود الراجح تحصيلا لمزيد المصلحة للمسلمين .

واختلف في عزل أحد المتساويين بالآخر فقيل يمتنع لأنه ليس أصلح للمسلمين لأنه يؤذي المعزول بالعزل والتهم من الناس ، ولأن ترك الفساد أولى من تحصيل الصلاح للمتولى .

وأما الإنسان في نفسه فيجوز له ذلك أي بيع صاع بصاع ، وما يساوي ألفا بمائة فيما يختص به حصلت مصلحة أم لا ، وضابط ما يحجر به أن كل تصرف خرج عن العادة ، ولم يستجلب به المتصرف حمدا شرعيا ، وقد تكرر منه فإنه يحجر به فخرج بالقيد الأول ما فوت مصلحة لم تخرج عن العادة كما هنا ، وبالثاني ما استجلب به حمد الشراب والمساخر ، وبالثالث ما لم يتكرر كمن رمى درهما في البحر فإنه لا يحجر عليه حتى يتكرر ذلك منه تكررا يدل على سفهه وعدم اكتراثه بالمال ( النوع الثاني ) القضاء من القاضي بغير عمله فإنه لا تتناوله الولاية لأن صحة التصرف إنما يستفاد من عقد الولاية ، وعقد الولاية إنما يتناول منصبا معينا فكان معزولا عما عداه لا ينفذ فيه حكمه ، وعلى هذا أصحابنا ففي الجواهر إن شافه قاض قاضيا لم يكف في ثبوت ذلك الحكم لأن أحدهما بغير عمله فلا يؤثر إسماعه وسماعه إلا إذا كانا قاضيين ببلدة واحدة أو تجاذبا في ذلك في طرفي ولايتهما فيكون ذلك أقوى من الشهادة على كتاب القاضي [ ص: 80 ] فيعتمد ا هـ . وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم قال الأصل ، وما علمت فيه خلافا ، وفي هذا القسم فروع في كتب الفقه .




الخدمات العلمية