الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 49 ] فصل

وقد تضمنت هذه الأقضية أمورا :

أحدها : أنه لا يقطع في أقل من ثلاثة دراهم ، أو ربع دينار .

الثاني : جواز لعن أصحاب الكبائر بأنواعهم دون أعيانهم ، كما لعن السارق ، ولعن آكل الربا وموكله ، ولعن شارب الخمر وعاصرها ، ولعن من عمل عمل قوم لوط ، ونهى عن لعن عبد الله حمار وقد شرب الخمر ، ولا تعارض بين الأمرين ، فإن الوصف الذي علق عليه اللعن مقتض . وأما المعين ، فقد يقوم به ما يمنع لحوق اللعن به من حسنات ماحية ، أو توبة ، أو مصائب مكفرة ، أو عفو من الله عنه ، فتلعن الأنواع دون الأعيان .

الثالث : الإشارة إلى سد الذرائع ، فإنه أخبر أن سرقة الحبل والبيضة لا تدعه حتى تقطع يده .

الرابع : قطع جاحد العارية ، وهو سارق شرعا كما تقدم .

الخامس : أن من سرق مالا قطع فيه ، ضوعف عليه الغرم ، وقد نص عليه الإمام أحمد - رحمه الله - ، فقال : كل من سقط عنه القطع ، ضوعف عليه الغرم ، وقد تقدم الحكم النبوي به في صورتين : سرقة الثمار المعلقة ، والشاة من المرتع .

[ ص: 50 ] السادس : اجتماع التعزير مع الغرم ، وفي ذلك الجمع بين العقوبتين : مالية وبدنية .

السابع : اعتبار الحرز ، فإنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة ، وأوجبه على سارقه من الجرين ، وعند أبي حنيفة أن هذا لنقصان ماليته ، لإسراع الفساد إليه ، وجعل هذا أصلا في كل ما نقصت ماليته بإسراع الفساد إليه . وقول الجمهور أصح ، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل له ثلاثة أحوال : حالة لا شيء فيها ، وهو ما إذا أكل منه بفيه ، وحالة يغرم مثليه ، ويضرب من غير قطع ، وهو ما إذا أخذه من شجره وأخرجه ، وحالة يقطع فيها ، وهو ما إذا سرقه من بيدره سواء كان قد انتهى جفافه أو لم ينته ، فالعبرة للمكان والحرز لا ليبسه ورطوبته ، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الشاة من مرعاها ، وأوجبه على سارقها من عطنها فإنه حرزها .

الثامن : إثبات العقوبات المالية ، وفيه عدة سنن ثابتة لا معارض لها ، وقد عمل بها الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأكثر من عمل بها عمر رضي الله عنه .

التاسع : أن الإنسان حرز لثيابه ولفراشه الذي هو نائم عليه أين كان ، سواء كان في المسجد أو في غيره .

العاشر : أن المسجد حرز لما يعتاد وضعه فيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من سرق منه ترسا ، وعلى هذا فيقطع من سرق من حصيره وقناديله وبسطه ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد وغيره . ومن لم يقطعه ، قال : له فيها حق ، فإن لم يكن فيها حق ، قطع كالذمي .

الحادي عشر : أن المطالبة في المسروق شرط في القطع ، فلو وهبه إياه ، أو باعه قبل رفعه إلى الإمام ، سقط عنه القطع ، كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال : [ ص: 51 ] هلا كان قبل أن تأتيني به .

الثاني عشر : أن ذلك لا يسقط القطع بعد رفعه إلى الإمام ، وكذلك كل حد بلغ الإمام ، وثبت عنده لا يجوز إسقاطه ، وفي " السنن " : عنه : إذا بلغت الحدود الإمام ، فلعن الله الشافع والمشفع .

الثالث عشر : أن من سرق من شيء له فيه حق لم يقطع .

الرابع عشر : أنه لا يقطع إلا بالإقرار مرتين ، أو بشهادة شاهدين ، لأن السارق أقر عنده مرة ، فقال : " ما إخالك سرقت " ؟ فقال : بلى ، فقطعه حينئذ ، ولم يقطعه حتى أعاد عليه مرتين .

الخامس عشر : التعريض للسارق بعدم الإقرار ، وبالرجوع عنه ، وليس هذا حكم كل سارق ، بل من السراق من يقر بالعقوبة والتهديد ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

السادس عشر : أنه يجب على الإمام حسمه بعد القطع لئلا يتلف . وفي قوله : " احسموه " دليل على أن مؤنة الحسم ليست على السارق .

السابع عشر : تعليق يد السارق في عنقه تنكيلا له وبه ليراه غيره .

الثامن عشر : ضرب المتهم إذا ظهر منه أمارات الريبة ، وقد عاقب النبي صلى الله عليه وسلم في تهمة ، وحبس في تهمة .

[ ص: 52 ] التاسع عشر : وجوب تخلية المتهم إذا لم يظهر عنده شيء مما اتهم به ، وأن المتهم إذا رضي بضرب المتهم ، فإن خرج ماله عنده ، وإلا ضرب هو مثل ضرب من اتهمه إن أجيب إلى ذلك ، وهذا كله مع أمارات الريبة ، كما قضى به النعمان بن بشير رضي الله عنه ، وأخبر أنه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

العشرون : ثبوت القصاص في الضربة بالسوط والعصا ونحوهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية