الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين

                                                                                                                                                                                                                                        (36) هذا دليل على أن الشعائر عام في جميع أعلام الدين الظاهرة. وتقدم أن الله أخبر أن من عظم شعائره فإن ذلك من تقوى القلوب، وهنا أخبر أن من جملة شعائره " البدن " ، أي: الإبل والبقر، على أحد القولين، فتعظم وتستسمن وتستحسن، لكم فيها خير ؛ أي: المهدي وغيره، من الأكل والصدقة والانتفاع والثواب والأجر، فاذكروا اسم الله عليها ؛ أي: عند ذبحها قولوا: "بسم الله" واذبحوها، صواف ؛ أي: قائمات، بأن تقام على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى، ثم تنحر.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا وجبت جنوبها ؛ أي: سقطت في الأرض جنوبها، حين تسلخ، ثم يسقط الجزار جنوبها على الأرض، فحينئذ قد استعدت لأن يؤكل منها، فكلوا منها وهذا خطاب للمهدي، فيجوز له الأكل من هديه، وأطعموا القانع والمعتر ؛ أي: الفقير الذي لا يسأل؛ تقنعا وتعففا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما له حق فيهما.

                                                                                                                                                                                                                                        كذلك سخرناها لكم ؛ أي: البدن لعلكم تشكرون الله على تسخيرها، فإنه لولا تسخيره لها لم يكن لكم بها طاقة، ولكنه ذللها لكم وسخرها؛ رحمة بكم وإحسانا إليكم، فاحمدوه.

                                                                                                                                                                                                                                        (37) وقوله: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ؛ أي: ليس المقصود منها ذبحها فقط. ولا ينال الله من لحومها ولا دمائها شيء؛ لكونه الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها والاحتساب، والنية الصالحة، ولهذا قال: ولكن يناله التقوى منكم ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء ولا سمعة، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله كانت كالقشور الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه.

                                                                                                                                                                                                                                        كذلك سخرها لكم لتكبروا الله ؛ أي: تعظموه [ ص: 1102 ] وتجلوه، على ما هداكم ؛ أي: مقابلة لهدايته إياكم، فإنه يستحق أكمل الثناء وأجل الحمد، وأعلى التعظيم، وبشر المحسنين بعبادة الله، بأن يعبدوا الله كأنهم يرونه، فإن لم يصلوا إلى هذه الدرجة فليعبدوه معتقدين وقت عبادتهم اطلاعه عليهم، ورؤيته إياهم، والمحسنين لعباد الله، بجميع وجوه الإحسان؛ من نفع مال، أو علم، أو جاه، أو نصح، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو كلمة طيبة ونحو ذلك، فالمحسنون لهم البشارة من الله، بسعادة الدنيا والآخرة وسيحسن الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، للذين أحسنوا الحسنى وزيادة

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية