الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 535 ] القول في تأويل قوله ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( 78 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإن من أهل الكتاب وهم اليهود الذين كانوا حوالي مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عهده ، من بني إسرائيل .

و " الهاء والميم " في قوله : " منهم " عائدة على " أهل الكتاب " الذين ذكرهم في قوله : " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك " .

وقوله " لفريقا " يعني : جماعة " يلوون " يعني : يحرفون " ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب " يعني : لتظنوا أن الذي يحرفونه بكلامهم من كتاب الله وتنزيله . يقول الله - عز وجل - : وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم فحرفوه وأحدثوه من كتاب الله ، ويزعمون أن ما لووا به ألسنتهم من التحريف والكذب والباطل فألحقوه في كتاب الله " من عند الله " يقول : مما أنزله الله على أنبيائه " وما هو من عند الله " يقول : وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم فأحدثوه ، مما أنزله الله إلى أحد من أنبيائه ، ولكنه مما أحدثوه من قبل أنفسهم افتراء على الله .

يقول - عز وجل - : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " يعني بذلك : أنهم يتعمدون قيل الكذب على الله ، والشهادة عليه بالباطل ، والإلحاق بكتاب [ ص: 536 ] الله ما ليس منه ، طلبا للرياسة والخسيس من حطام الدنيا .

وبنحو ما قلنا في معنى " يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7290 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال : يحرفونه .

7291 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7292 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " حتى بلغ : " وهم يعلمون " هم أعداء الله اليهود ، حرفوا كتاب الله ، وابتدعوا فيه ، وزعموا أنه من عند الله .

7293 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

7294 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب " وهم اليهود ، كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله .

7295 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال : فريق من أهل الكتاب " يلوون ألسنتهم " وذلك تحريفهم إياه عن موضعه .

قال أبو جعفر : وأصل " اللي " الفتل والقلب . من قول القائل : " لوى [ ص: 537 ] فلان يد فلان " إذا فتلها وقلبها ، ومنه قول الشاعر :


لوى يده الله الذي هو غالبه



يقال منه : " لوى يده ولسانه يلوي ليا " " وما لوى ظهر فلان أحد " إذا لم يصرعه أحد ، ولم يفتل ظهره إنسان " وإنه لألوى بعيد المستمر " إذا كان شديد الخصومة ، صابرا عليها ، لا يغلب فيها ، قال الشاعر :



فلو كان في ليلى شدا من خصومة     للويت أعناق الخصوم الملاويا



التالي السابق


الخدمات العلمية