الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 16 ) باب الحب في الله ومن الله

الفصل الأول

5003 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " . رواه البخاري .

التالي السابق


[ 16 ] باب الحب في الله ومن الله

الحب في الله أي : في ذات الله وجهته لا يشوبه الرياء والهوى ، ومن الله أي : من جهة الله أي : إذا أحب عبدا أحبه لأجل الله وسببه ، ومن هاهنا كما في قوله تعالى : تفيض من الدمع وفي كما في قوله تعالى : والذين جاهدوا فينا وهو أبلغ من حيث جعل المحبة مظروفا ، كذا حققه الطيبي ، وفيه أن مآلهما إلى معنى واحد ، والظاهر أن مراده عنوان الباب فضيلة الحب لله ، وما يترتب عليه من الحب من جانب الله ، كما سيصرح الأحاديث الآتية بهذا المعنى ، فالصواب أن يقال : إن ( في ) تعليلية و ( من ) ابتدائية ، والمعنى حب العبد العبد لأجل رضا الرب ، والحب الكائن من الله للعبد ، والثاني نتيجة الأول ، كما في الشريعة ، أو مقدمة له كما في الطريقة ، أو هو محفوف بهما ، كما في الحقيقة على ما حقق في قوله تعالى : يحبهم ويحبونه وقوله تعالى : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والله أعلم .

الفصل الأول

5003 - ( عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأرواح ) أي : أرواح الإنسان ( جنود ) : جمع جند أي : جموع ( مجندة ) : بفتح النون المشددة أي : مجتمعة متقابلة ، أو مختلطة منها : حزب الله " ألا إن حزب الله هم المفلحون " ومنها حزب الشيطان " ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " وفي قوله تعالى : ولله جنود السماوات والأرض إشارة إلى الجندين حيث أحدهما علوي الهمة ، والآخر سفلي الهمة . ( فما تعارف منها ) : التعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي : فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان ( ائتلف ) : بهمزة وصل ، ثم همزة ساكنة تبدل ألفا في الوصل جوازا ، وتبدل ياء حال الابتداء وجوبا أي : حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا ( وما تناكر منها ) أي : في عالم الأرواح ( اختلف ) أي : في عالم الأشباح ، والإفراد والتذكير في الفعلين باعتبار لفظ ما ، والمراد منه بطريق الإجمال والله أعلم بحقيقة الحال أن الأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على مراتب مختلفة وشواكل متباينة ، وكل ما شاكل منها في عالم الأمر [ ص: 3132 ] في شاكلته تعارفت في عالم الخلق وائتلفت واجتمعت ، وكل ما كان على غير ذلك في عالم الأمر تناكرت في عالم الخلق فاختلفت وافترقت ، فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه ، وبالتناكر ما بينهما من التنافر والتباين ، فتارة على وجه الكمال وتارة على وجه النقصان ، إذ قد يوجد كل من التعارف والتناكر بأدنى مشاكلة بينهما إما ظاهرا وإما باطنا ، وبحقيقة يطول وتخاف من إعراض الملول واعتراض الفضول ، هذا وقيل : هذا الاجتماع كان يوم الميثاق فمن تقابل منهم اثنان يومئذ يأتلفان في الدنيا غاية المؤالفة ، ومن تدابر منهم شخصان يختلفان في نهاية المخالفة ، ومن وقع في الاجتناب له مشاركة من مشاكلة كل باب كالمنافقين ، وأشباههم مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ثم لا يمنع من هذا التعارف والتناكر وصلة الأجانب وشجنة الأقارب .


كانت مودة سلمان له نسبا ولم يكن بين نوح وابنه رحم



ولا يدفعه بعد الدار ولا يجمعه قرب المزار .


مناسبة الأرواح بين وبينها وإلا فأين الترك من ساكني نجد



قال حكيم : أقرب القرب مودة القلب وإن تباعد جسم أحدها من الثاني ، وأبعد البعد تنافر التداني .

وفي النهاية قوله : جنود مجندة أي : مجموعة كما يقال : ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة ، ومعناه الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد أي : إنها خلقت أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف ، كالجنود المجندة المجموعة إذا تقابلت وتواجهت ، ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليها من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق يقول : إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ، ويميل إليهم ، والشرير يحب الأشرار ، ويميل إليهم اهـ . وفيه الإشارة إلى المناسبة بين الحديث وعنوان الباب ، لا سيما وهو صدر الخطاب ، وفي شرح السنة : فيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد في الخلقة . ( رواه البخاري ) أي : عن عائشة .




الخدمات العلمية