شعب فلسطين وصراع الوجود واللاوجود

11/10/2009| إسلام ويب

الصراع الذي فرض خوضه على شعب فلسطين وأمته العربية ( والإسلامية )، كنتيجة لإقامة الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني على التراب العربي، لا يزال كما كان في بدايته، صراع وجود ولا وجود. وذلك برغم كل المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت مع العدو الصهيوني في العقود الأربعة الماضية وما جرى خلالها ولا يزال يجري من مفاوضات ولقاءات وعمليات تطبيع. وبرهان ذلك أن الضغوط الأمريكية والأوروبية للاعتراف بيهودية "إسرائيل" إنما تنطوي على إهدار حقوق الفلسطينيين كافة، سواء في الوطن المحتل من النهر إلى البحر أو في الشتات العربي والدولي. غير أن المعاناة طوال عقود الصراع لم توهن عزيمة القوى والعناصر الفلسطينية الملتزمة بالممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً، بدليل عجز التحالف الامبريالي - الصهيوني والسائرين في ركبه إقليمياً عن قهر إرادة هذه القوى والعناصر بحملها على القبول بالتسوية وفق الشروط الأمريكية الصهيونية.

والثابت في صراعات حركات التحرر الوطني الآسيوية والإفريقية في العصر الحديث وجود خلل استراتيجي في القدرات والإمكانات العسكرية واللوجستية والاستخباراتية لمصلحة قوى الاستعمار وأدواتها المحلية. فيما تعتبر إرادة المقاومة المعوض الموضوعي للشعوب محتلة الأرض ومغتصبة الحقوق عن قصورها تجاه تفوق العدو. وفي حدود هذه الرؤية يقوم الحراك الوطني الفلسطيني. ولقد توالت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة مشاهد فلسطينية تمايزت بين ما هو شعبي غاية في الإيجابية وسلطوي في منتهى السلبية. وإن وقفة مع أبرزها كفيلة بإيضاح واقع هذا الحراك واحتمالاته المستقبلية.

وأول هذه المشاهد وأبلغها دلالة ما شهدته القدس المحتلة يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي. حين حاولت مجموعة من غلاة المستوطنين المدججين بالسلاح، والمدعومين بقوات الاحتلال، اقتحام ساحة الحرم القدسي، غير أن مواطني القدس العرب، شيباً وشباناً، رجالاً ونساء، وبعض من هبوا لنجدتهم من عرب الأرض المحتلة سنة 1948 تصدوا بصدورهم لرصاص الغزاة غير مبالين بتساقط الشهداء والجرحى. وبحيث ردوهم على أعقابهم وأفشلوا محاولتهم فرض المشاركة اليهودية في الأقصى، كما سبق وجرى باحتلالهم جزءاً من الحرم الإبراهيمي في الخليل وذلك ما شرعنه فيما بعد فريق أوسلو ...

ثم إن هبة القدس تؤشر إلى ما يمتلكه مواطنوها من قدرة فذة على التصدي وإفشال مخططات العدو، برغم كل ما فعله ولا يزال من تهويد واستيطان وتضييق على مواطنيها العرب في معيشتهم، ومخطط إفساد أجيالهم الشابة بإشاعة المخدرات والانحلال الخلقي في أوساطهم، فضلاً عن الانعكاسات شديدة السلبية لإهمال سلطة حكم الذات للقدس ومواطنيها، وهو الإهمال الذي حمل حاتم عبد القادر، وزير شؤون القدس في حكومة د. فياض، على تقديم استقالته في 30/6/2009. علاوة على الاستهانة الرسمية العربية والإسلامية بما يتهدد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول عليه السلام ومعراجه.

وثاني المشاهد، وما لا يقل دلالة عن سابقه، تدفق عشرات الآلاف على بلدة عرابة في الجليل، لإحياء ذكرى شهداء انتفاضة العام 2000 من أبناء الأرض المحتلة سنة 1948، وكان في طليعة المشاركين قادة الأحزاب ونشطاء الحراك السياسي من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري. ولقد عكست شعارات المهرجان وكلمات الخطباء تطوراً كيفياً في الوعي الوطني والالتزام السياسي، وإصراراً على التجذر في أرض الآباء والأجداد، وعزماً على انتزاع الحقوق الوطنية المغيّبة، ووضع حد لما يعانونه من تهميش سياسي واقتصادي وثقافي.

وثالث المشاهد، فرحة اللقاء بالأسيرات العشرين المفرج عنهن لقاء شريط فيديو يظهر الأسير جلعاد شاليت بصحة جيدة، وهي الصفقة التي اعتبرتها صحيفة "معاريف" العبرية مهينة ل"إسرائيل"، إذ نزلت على إرادة حماس بدل أن تكون أجهزتها الاستخبارية قد حصلت على معلومة عن الجندي الأسير. والمفرح في الصفقة تجاوزها التفرد الفصائلي بحيث ضمت مناضلات من الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وفتح إلى جانب مناضلات حماس، وبأكثرية غالبة لأسيرات الضفة الغربية المحتلة. وفي ذلك ما يدل على تجاوز التقليد الفصائلي بالتفرد الذي عانى منه الحراك الوطني الفلسطيني كثيراً، بل يؤشر للتقدم على طريق تقديم الولاء الوطني على الانتساب الفصائلي.

ورابع المشاهد الغضبة العارمة التي انطلقت فور الإعلان عن ترحيل تقرير غولدستون حول المحرقة الصهيونية في غزة، والذي كان متوقعاً إقراره بأغلبية أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، كما يقرر هيثم مناع. وبذلك عطلت إمكانية تقديم مجرمي الحرب الصهاينة لمحكمة الجنايات الدولية ومقاضاتهم. والمفارقة أن التقرير أعدته لجنة برئاسة قاض يهودي لم يغلب ولاؤه الصهيوني التزامه المهني، فيما الذي طلب ترحيله ممثل منظمة التحرير الفلسطينية لدى المنظمة الدولية بتأثير الضغوط الهائلة التي مارستها الإدارة الأمريكية على سلطة حكم الذات. في حين استقال احتجاجاً على ذلك سامي خوري، وزير الاقتصاد في حكومة د. فياض استنكاراً لفعل السلطة المشين. وفي التقاء مواطني القطاع والضفة في غضبتهم العارمة ضد قرار سلطة رام الله بالموافقة على ترحيل تقرير غولدستون، واستهانتها بدماء شهداء القطاع، برهان حي على فساد القول بافتقاد مواطني الضفة والقطاع المحتلين وحدة المسيرة والمصير، وإن تفاقمت نزاعات أهل السلطتين.

والمشاهد الأربعة تدل بوضوح تام على أنه في صراع الوجود واللاوجود الذي يخوضه شعب فلسطين لم يزد طول الزمن واشتداد المعاناة إرادة الممانعة والمقاومة والشعور بوحدة المسيرة والمصير إلا تجذراً.

ــــــــــــــــــــ

الخليج الإماراتية (بتصرف يسير)

www.islamweb.net