الشيخ رائد صلاح.. تاريخ حافل بالتضحية والعطاء دفاعًا عن الأقصى

26/07/2010| إسلام ويب

واجه الاعتقال والإصابة ونجا من محاولات اغتيال عديدة

حمل مسؤولية الدفاع عن المسجد الأقصى بالكلمة والموقف والحضور، وجابه من أجل ذلك المخاطر: الإصابة تارةً، والاحتجاز والاعتقال أحايين، وعاش مع تهديدات ومحاولات اغتيال جدية دون أن يتوقف عن دق أجراس الخطر: الأقصى في خطر.

إنه الشيخ رائد صلاح الذي استحق عن جدارة لقب "شيخ الأقصى"؛ لما شكَّله من سد منيع أمام محاولات الاحتلال ومغتصبيه لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، وفضح كل المخططات التي تستهدفه.

مرة أخرى وجد شيخ الأقصى الأحد (25-7) نفسه رهن الاعتقال في سجون الاحتلال، ليشعر الفلسطينيون بحالة انقباض وهم يشاهدون ما يجري له، ويرون في اعتقاله مؤشرًا على خطر أكبر باستهداف المسجد الأقصى، وهو الأمر الذي لم يفته، فأطلق تحذيرات لعلها تلامس مسامع الأحرار.

ومع الاعتقال الحالي يستذكر ويستحضر "المركز الفلسطيني للإعلام" محطات من تاريخ الشيخ رائد الحافل بالتضحيات والجهاد والعطاء دفاعًا عن القبلة الأولى.

قمر الداخل

ولد الشيخ رائد صلاح عام 1958 في مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة لإحدى العائلات الفلسطينية التي لم تهاجر أرض ـ48 أثناء النكبة الفلسطينية، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس أم الفحم، وأكمل دراسته الجامعية في كلية الشريعة بجامعة الخليل؛ حيث حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية.

الاعتقال الأول

بعد تخرجه من كلية الشريعة أُدخل السجن بـ"تهمة" الارتباط بمنظمة محظورة، وهي "أسرة الجهاد"، وكان ذلك عام 1981، ثم بعد الخروج من السجن فُرضت عليه الإقامة الجبرية فترة طويلة؛ حيث كان خلالها ممنوعًا من مغادرة المدينة طوال الوقت وممنوعًا من مغادرة بيته خلال الليل، ثم كان ملزمًا بإثبات وجوده مرة أو مرتين كل يوم في مركز شرطة وادي عارة.

حاول الالتحاق بسلك التعليم كمعلم في مدارس أم الفحم، إلا أن وزارة المعارف الصهيونية رفضت طلبه فعمل في المهن الحرة وأقام أسرته في عام 1985.

العمل السياسي والدعوي

انتقل عام 1986 للعمل كأحد محرري مجلة "الصراط" الشهرية الإسلامية حتى نهاية عام 1988, تفرَّغ في مطلع عام 1989 لخوض انتخابات رئاسة بلدية أم الفحم عن الحركة الإسلامية؛ علمًا أنه كان بدأ مشواره الدعوي وهو في الثانوية.

ونجح في تلك الانتخابات بنسبة تزيد عن 70%، وأصبح رئيسًا للبلدية وهو ابن 31 عامًا، ثم خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993 ونجح بنسبة تزيد عن 70%، ثم خاض الانتخابات للمرة الثالثة عام 1998 ونجح بنسبة تزيد عن 70% أيضًا، وشغل الشيخ صلاح منصب نائب رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، ونائب رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب منذ انتخابه لرئاسة بلدية أم الفحم حتى استقالته.

رئاسة الحركة الإسلامية

وفي عام 1996 انتخب رئيسًا للحركة الإسلامية (بعد حدوث الانشقاق الذي تم على خلفية إصرار بعض أطرافها على دخول انتخابات الكنيست الصهيوني)، وأعيد انتخابه عام 2001، وخلال هذه السنوات أيضًا تقلد مهمة رئيس بلدية أم الفحم، وكذلك تقلد مهمة رئيس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية حتى عام 2002 ورئيس مؤسسة الإغاثة الإنسانية.

قدم الشيخ صلاح استقالته من بلدية أم الفحم في العام 2001 وهو في قمة العطاء، وتفرغ لرفع شأن قضية الأقصى، وليعطي المجال لغيره من القادة ليكملوا المشوار ويعطي النموذج في التخلي عن المنصب.

درس الاستقالة من البلدية

وفاجأت الاستقالة الوسط العربي؛ حيث كان أول رئيس بلدية يقدم على مثل هذه الخطوة في الوقت الذي أشارت جميع الاستطلاعات إلى أنه يستطيع أن يفوز بمنصبه دورات قادمة؛ وذلك لتفرغه الكامل للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وخدمة مشروع إعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك، ومن هنا بات يلقب باسم "شيخ الأقصى"؛ حيث جعل الأقصى همّه الأول وعلى رأس سلم أولوياته.

دفاعًا عن الأقصى

وقد كان وراء إنشاء عدد من المؤسسات؛ أبرزها مؤسسة "مسلمات من أجل الأقصى"، وتنظيم مسابقة "بيت المقدس في خطر" التي تجرى أعمالها سنويًّا في شهر رمضان، وتوثيق الكثير من تاريخ القدس بإعداد الأفلام الوثائقية والكتب والخرائط عن الأقصى المبارك.

ولم تقتصر جهود الحركة الإسلامية بإدارة الشيخ صلاح، على الاهتمام بالمسجد الأقصى؛ فقد تعدته لتشمل إعمار وصيانة المساجد والمصليات والمقابر.

وبعد انتخابه رئيسًا لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية في الألفية الثانية، تلك الجمعية التي نجحت في إظهار محاولات الاحتلال المتكررة للحفر تحت المسجد الأقصى.. حلتها سلطات الاحتلال، فخلفتها جمعية الأقصى للوقف والتراث لتقوم بنفس المهمة وتحمل ذات الرسالة.

وكان من المبادرين الرئيسيين إلى إعمار التسوية الشرقية "المصلى المرواني" والأقصى القديم وكثير من مشاريع الإعمار في المسجد الأقصى من خلال دوره كرئيس لمؤسسة الأقصى وبالتعاون مع هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في القدس.

هبة النفق.. تعزيز المخاوف

وشكَّلت أحداث الكشف عن النفق تحت المسجد الأقصى المبارك، والتي كان الشيخ صلاح أول من كشف النقاب عنها؛ نقطة محورية في حياته عززت لديه المخاوف من المساس بالمسجد المبارك، وضرورة تكثيف الجهود لحمايته، وهو ما دفع الشيخ صلاح إلى إطلاق عدد من المشاريع لإحياء قضية الأقصى والدفاع عنه.

ويقول الشيخ صلاح بهذا الصدد: "أيقنت أنه لا بد أن أبذل كل ما أملك من أجل إعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك، ودفع كل خطر قد يهدده، ومما زاد عندي هذا الإصرار دخولي لأول مرة المصلى المرواني، وهو أحد أبنية المسجد الأقصى المبارك عام 1996م، فوجدته يومها مجمعًا للأوساخ، وملتقى لطيور الحمام التي كانت قد عششت فيه، وتركت على أرضيته طبقة من أوساخها، على ضوء ذلك شمرنا عن سواعد العمل، وبدأنا بمشروع إعمار المصلى المرواني ثم إعمار الأقصى القديم ثم مواصلة سلسلة الإعمار التي بدأت ولا تزال متواصلة حتى الآن بفضل الله تعالى. وعلى ضوء ذلك أقمنا مهرجان "الأقصى في خطر" الأول عام 1996م، ثم واصلنا إقامة هذا المهرجان كل عام، وعلى ضوء ذلك أقمنا مشروع "صندوق طفل الأقصى" ومؤسسة "مسلمات من أجل الأقصى"، وهما مؤسستان جادتان وناشطتان بفضل الله تعالى".

محطات مضيئة

قاد الشيخ رائد صلاح أحداث الروحة عام 1998 التي اجتاحت خلالها قوات الشرطة الصهيونية مدينة أم الفحم، وأصابت بنيرانها وبالغاز السيل للدموع قرابة 600 مواطن فحماوي، ونجح مع لجنة الروحة الشعبية في أن يحرروا غالبية أراضي الروحة على إثر نية مصادرتها بعد الأحداث المذكورة، وخلال هذا العام أعلن مشروع المجتمع العصامي عام 1998 الذي يهدف إلى بناء الذات لفلسطيني الداخل.

ولم تلن عزيمة الشيخ؛ ففي هبة تشرين الأول (أكتوبر) عام 2000 تعرض لمحاولة اغتيال في الأيام الأولى من انتفاضة الأقصى، وأصيب بعيار ناري في رأسه من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، ووجهت إليه لجنة "أور" المُشكَّلة عقب استشهاد 13 مواطنًا عربيًّا خلال هبة الأقصى، إنذارًا واعتبرته أحد المسببين للهبة، ورأت الجماهير العربية بذلك محاولة لإزاحة التهمة عن المجرم وإلصاقها بالضحية.

اشتداد الحملة والتحريض

وخلال هذه السنوات اشتدت الحملة الرسمية وغير الرسمية على الشيخ رائد صلاح من قبل أذرع المؤسسة الصهيونية والإعلام العبري، وراحوا يرجمونه بالإرهاب وتهديد أمن "الدولة"، وبسبب ذلك تعرض للتحقيق البوليسي ومنع من السفر خارج فلسطين المحتلة ومنع من دخول المدارس الثانوية ثم الجامعات لإلقاء محاضرات.

زادت قناعة الشيخ صلاح بضرورة تعزيز مشروع المجتمع العصامي الذي يقول عنه الشيخ: " إنه مشروع نهدف من خلاله إلى بناء كل المؤسسات الأهلية من أجل توفير كل الخدمات الشاملة لكل أهلنا في كافة المجالات، سواء كانت صحية أو غذائية أو تعليمية أو اقتصادية، ثم العمل على استثمار ما لدينا من أرض ومال وقدرات علمية لإنجاز هذا المشروع على أكمل وجه، مع الإصرار في نفس الوقت على ضرورة التواصل مع أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني وحاضرنا الإنساني".

وفي 2002 منع صلاح من السفر بناء على معلومات استخباراتية من "الشاباك" (جهاز الأمن العام الصهيوني) رفضت سلطات الاحتلال الكشف عنها.

وبعد تقديمه التماسًا لإلغاء منعه من السفر، قررت ما تسمى "محكمة العدل" الصهيونية، تغليب السبب الأمني غير المعروف لمنعه على مبدأ حرية التنقل والحركة التي طالما تشدقت بها. ولم يتوقف التضييق الصهيوني عند المساس بشخص رائد صلاح، بل تجاوزه إلى إغلاق جريدة "صوت الحق والحرية" الناطقة باسم حركته عام 2002، بحجة تحريض الصحيفة على الجانب الصهيوني، وتبنيها مواقف "حماس".

اعتقال جديد

وبتاريخ (13-5-2003) تعرض للاعتقال مع ثلاثة من قادة الحركة الإسلامية مجددًا؛ فقد شارك أكثر من ألف شرطي في عملية اعتقاله بعدما حوَّلوا أم الفحم إلى ثكنة عسكرية ليعتقلوه من جانب سرير والده الذي صارع نزعات الموت الأخيرة.

اعتقل شيخ الأقصى وحارس بواباته عامين من 2003 حتى 2005، بتهمة تبييض أموال والتعامل مع حركة "حماس"، وكانت هناك أحاديث صهيونية أنه سيحكم أكثر من ذلك، لكن سرعان ما تمخض الجبل فولد فأرًا؛ إذ تراجعت النيابة عن معظم بنود الاتهام ووافقت على صفقة أتاحت إطلاق السراح المعتقلين في أقل فترة زمنية بعد أن كانت النيابة تطالب بفترات سجن طويلة.

وكانت محاكمة الشيخ صلاح ورفاقه من أكثر المحاكمات تغطية في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وهو ما رفع من شأن القضية التي اعتبرتها الحركة الإسلامية محاولة لمحاكمة قيم الإسلام والقرآن الكريم وأركانه الأساسية التي تحث المسلم على الزكاة ومساعدة المحتاجين من ناحية، ونزع الشرعية السياسية عن قادة الجماهير العربية في الداخل.

الأقصى وحصار غزة

وخلال السنوات الماضية لم يتوقف الشيخ عن إعلاء صوته، سواء لدق ناقوس الخطر إزاء مخططات الاحتلال الرامية إلى هدم المسجد الأقصى، وكان له فضل الكشف عن العديد من المخططات المتعلقة بالأنفاق وإقامة الكنس والحفريات والذي أسهم بشكل أو آخر في إلجام المحاولات الصهيونية، وجعله هدفًا دائمًا على قائمة الاغتيال.

وإلى جانب دوره في كشف مخططات المساس بالأقصى وتنبيه الأمة على المخاطر التي تستهدفه، حمل همَّ حصار غزة؛ فشارك في فعاليات كسر الحصار، وكانت آخر فعالية شارك فيها سفن "أسطول الحرية" التي جرى اعتقاله فيها، والتي نجا فيها من محاولة اغتيال؛ حيث أقدمت قوات الاحتلال الخاصة على اغتيال شبيه له.

وعاشت الجماهير الفلسطينية لحظات ترقب وتوتر كبير عندما حملت الساعات الأولى للهجوم الصهيوني على الأسطول أواخر أيار (مايو) الماضي نبأ استشهاده أو إصابته إصابة خطيرة قبل أن تتبيَّن نجاته واستشهاد شبيهه.

وتأكد المخطط الصهيوني الذي كان يرمي إلى اغتياله بما كشفه أحد المتطرفين الصهاينة قبل عدة أيام أنه جرى تكليفه من قبل "الشاباك" الصهيوني باغتياله وتمَّت إذاعة تسجيلات صوتية تعكس تفاصيل هذه المؤامرة.

وفيما يذهب الشيخ رائد صلاح إلى الأسْر مرفوع الرأس والهامة، يبقى نداؤه وتحذيره الصادق: "الأقصى في خطر"؛ لعله يلامس لحظة حياة في وجدان الأمة وزعمائها. فلك يا شيخ الأقصى منا كل سلام ودعاء بالثبات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المركز الفلسطيني للإعلام

www.islamweb.net