الإعلام.. والعملية التربوية

31/12/2017| إسلام ويب

مع انطلاقة الصرخة التي يصدرها الرضيع ساعة ولادته تبدأ مسيرة تحمُّل المسؤوليات لدى الأهل. ومع تفوه أول كلمة تخرج من فم الطفل تنشأ التصورات لأبجدية التعاطي والتواصل مع هذا العالم الملائكي، مع عالم الأطفال الذين جعلهم الله أمانة في أعناقنا ووسيلة اختبار لمدى الاستفادة من التعاليم الإلهية في حفظ هذه الأمانة ورعايتها. لذا تعتبر التربية مسألة هامة وحساسة في حياة الأمم لأن الأطفال هم الركيزة التي ستبنى عليها المجتمعات.

وهناك إجماع لدى المربين بأن التربية الثقافية والأخلاقية، التي تعتمد على تربية النفس وتثقيفها هي أصعب بكثير من التربية الجسدية، بل إنها من أصعب أنواع التربية على الإطلاق ـ وخاصة اليوم، في ظل التحديات التي يشهدها هذا العصر من انفتاح على الثقافة الغربية. هذه الثقافة التي تغزو حياتنا بوسائل شتى وتدخل بيوتنا عبر شاشات التلفزة التي ما تنفك تبث برامج ومضامين تغاير ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، أو عبر المجلات المترجمة التي تلعب دوراً سلبياً في تكوين ثقافة الطفل العربي وفي تدعيم مفاهيمه وقيمه، وكذلك من خلال الإنترنت سمة العصر الأساسية التي لا يخفى على أحد مدى خطورته، وهو الذي يفتح الأبواب على مصراعيها لطمس هوية مجتمعنا الدينية والقومية والشخصية، خاصة في ظل ضعف صوت الوالدين أمام مغريات واكتشافات هذا العصر التي تلبس زياً غربياً لا يليق بنا.

وقفة هامة
أمام هذه التحديات الراهنة لا بد وأن نقف متأملين في مدى خطورة الوسائل التي نعتمدها في تثقيف أطفالنا.

تأثير التلفزيون على الأطفال؟
مما لا شك فيه أن التلفزيون وسيلة إعلامية خطيرة تملك ما يجعلها تطغى على الوسائل الأخرى؛ لأنه يتمتع بجاذبية فنية تقنية.. جاذبة تبدو من خلال تدامج الصوت والصورة، فهو يبدو انطلاقاً من خصائصه مؤهلاً أكثر من غيره لجذب الاهتمام والتأثير في الطفل.. ولا شك في أن متانة العلاقة بين الأطفال والتلفزيون يمكن أن يلحظها كل مراقب لأطفال محيطه وبيئته.

وهذه العلاقة قد تؤثر سلباً عليهم «فإدمان الأطفال على مشاهدة التلفزيون يهدد أبصارهم وقدرتهم على التركيز كما قد يسبب لهم أمراضاً نفسية جسيمة وعديدة حيث تؤثر الذبذبات المرئية على المخ»، كما أن مشاهدة التلفزيون لفترات طويلة تؤدي إلى حدة عصبية الطفل بشكل واضح.

ولعل من المنطقي القول بأن التلفزيون هو ضار ونافع في آن معاً، فهو وسيلة تثقيفية موجهة ومنظمة، ولابد من امتلاك الوعي والمعرفة والعلم لمن يوجه هذه الوسيلة كي يثقف الطفل. وهناك أبحاث أجريت حول هذا الموضوع وخرجت بنتائج منها «أن التلفزيون يفسح فرصة للتعرف من خلال البرامج الدراسية والمسلسلات على عالم خارجي متنوع وساحر. ولكن المشكلة تكمن في معرفة ما إذا كان بالإمكان التخلص من خطورة الآثار التي تتولد من تأثير البرامج التلفزيونية الساحرة على خيال الأطفال وطغيانها على شخصياتهم وسلوكهم طغياناً ظاهراً في التقمص والإسقاط لدى الأطفال وابتعادهم عن الواقع الحقيقي».

وهنا لابد أن ننتبه إلى محاولة تقليد الأطفال للأفعال الخارقة التي يرونها لدى شخصيات البرامج التلفزيونية، وكثيرون هم الذين حاولوا أن يطيروا كسوبرمان أو الرجل الوطواط.

إن خطر التلفاز لا يتأتى من كونه تلفزيوناً أو وسيلة من وسائل تثقيف الطفل، وإنما من البرامج التي تشوه ثقافة الطفل وتبعده عن واقعه ومجتمعه. وذلك نتيجة علاقتنا التبعية بالغرب ومحاولة استيرادنا مظاهر ثقافته عبر استيراد برامجه.

وقد أجمع الفقهاء بأن وسائل الإعلام من راديو وتلفزيون هي من الاختراعات المهمة التي يمكن الاستفادة منها بما يفيد وينفع، واستخدامها بما يجوز الاستماع والنظر إليه. وإلا عُدّت هذه الوسائل من المحظورات الشرعية التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها.

القراءة سلاح ذو حدين:
من المعلوم أنه يُمكن أن يكون للتعلق بالكتب أثر جذري في نمو الطفل العقلي، بحيث تصبح عادة القراءة مكسباً يدوم مدى الحياة إذا عرفنا كيف نقدِّم التشجيع اللازم بصورة مستمرة ومنظمة.

ولا شك بأن إهمال القصة كوسيلة تسلية وتثقيف مسي‏ء للطفل ونمو شخصيته، فالقراءات الأولى للطفل هامة جداً في صنع تصوراته للظواهر الاجتماعية وتكوين القيم الخاصة التي يبني عليها حياته.

وهنا تكمن الخطورة في عدم مراقبة ما يقرأه أطفالنا أو عدم إدراك أبعاد هذه القراءات، ففي حين يجب أن تكون القصة (الكتاب المجلة..) عاملاً مساعداً في تدعيم ثقافة الطفل وفق الأسس التي تتوافق مع مجتمعه فالمعلومات والحوادث التي تتضمنها القصص تؤثر في تكوين شخصية الطفل العقلية وفي ذوقه وخياله وفي لغته، نجد أن بعض أنواع القصص تنقل الى خيال الطفل صوراً عن شخصيات فوضوية مستهترة وعدائية في نفس الوقت (شخصيات ديزني مثلاً..) بأسلوب شيق وجذاب يشهد الأطفال ويجعلهم يتصرفون مثلها وينهجون سبيلها وطريقتها في الحياة التي تتنافى في أكثر الأحيان مع الضوابط الاجتماعية والأخلاقية في مجتمعاتنا.

الإنترنت وسيلة تثقيفية... ولكن:
برز الإنترنت في الآونة الأخيرة كأحد أهم عوامل المعرفة، ساحباً البساط من تحت وسائل التثقيف الأخرى، وذلك لعدة أسباب أهمها: سرعة وسهولة الحصول على المعلومات من خلاله، ناهيك عن المتعة التي يجدها الباحث خلال تقصي المعلومات.

ولكن ما يجب الانتباه إليه هو أن ناقوس الخطر بدأ يدق وبصوت عالٍ لأن شبكة المعلومات هذه هي سمُ مدسوس في مجتمعاتنا بكوب من العسل، والأمر لا يحتاج الى إحصاءات فَنَظرة بسيطة لكل مراكز الإنترنت تظهر اكتظاظها بالزائرين من ذوي الأعمار الصغيرة. وهؤلاء للأسف يقضون أمام أجهزة الانترنت معظم ساعات النهار فيهدرون بذلك الوقت والمال، والأهم من كل شي‏ء يبنون ثقافة مغلوطة ملغومة تدمر أخلاقياتهم، لتأتي الفضائيات في ساعات الليل المتأخرة وتكمل ما بدأه الإنترنت فتنعدم بذلك إمكانية بناء مجتمعاتنا، لأن الطفل في سنواته الأولى يكون أداة لينة وطينة سهلة في اكتساب الكثير من الأمور، دون أن يميز السيئ من الجيد، فيكتسب الاثنين على حد سواء. وهو يقلِّد ما يشاهده وما يسمعه ليكوّن طريقة تفكيره ومنطقه.

هنا لابد من القول أن الإسلام لا ينفي ولا يحرم الاستفادة من علوم الآخرين وتجاربهم ـ إذا كان ذلك يسد حاجات الإنسان ولا يتنافى مع تعاليمه ـ ولكنه يرفض هذه العلوم إذا كان فيها مفسدة للمجتمع، وتشويه للتعاليم الإلهية.
 

www.islamweb.net